فصل في الكلام في الناسخ والمنسوخ
  وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ}[المائدة: ٥]، ثم فسر اللّه هذا(١) فقال: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ}[البقرة: ٢٢١]، وقال: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ}[التوبة: ٢٨]، وقال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ}[الممتحنة: ١]، فبيّن أن المراد بالآية الأولى:
  من آمن من أهل الكتاب، ويؤيد ذلك(٢) قول اللّه تعالى: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ}[آل عمران: ١٩٩].
  ومن متشابه الكتاب قول اللّه تعالى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ}[النساء: ٤٣]، وقوله: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً}[النحل: ٦٧]، وقوله: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما}[البقرة: ٢١٩]، ثم بيّن اللّه تعالى تحريم الخمر والميسر بآية محكمة فقال عزّ من قائل: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[المائدة: ٩٠]، فبين اللّه تعالى بهذه الآية تحريم الخمر والميسر.
  وقد قال غيرنا: إن الآيات الأولة توجب الترخيص، وقد نسخ الترخيص بهذه الآية، وهي ناسخة له.
  وعندنا أنه لم يكن في الخمر والميسر ترخيص؛ لأن اللّه تعالى لم يكن لينعم على عباده بالعقول، ويجعلها أكبر حجة عليهم ثم يحل
(١) في (ع): هذه.
(٢) في (ض): يؤيد ذلك.