العلم الواصم في الرد على هفوات الروض الباسم،

أحمد بن الحسن القاسمي (المتوفى: 1375 هـ)

مبحث في الإرادة

صفحة 298 - الجزء 1

  المكلفين لها واجبة وفاقاً مع وجوب الرضا عليهم بقضاء الله وإرادته ومشيئته، ولأن الله تعالى يكره المعاصي بالنص فلم تكن المعاصي من هذا الجنس من المرادات، كيف وإرادة القبيح ومحبته ليست بصفة مدح بالإجماع؟ وقد نص أئمتهم أن الله سبحانه لا يوصف بصفة نقص ولا بصفة لا مدح فيها ولا نقص فإرادة القبيح لغير وجه حسن إن لم تكن نقصاً كانت مما لا مدح فيها قطعاً فيجب أن لا يوصف بها الرب سبحانه على قواعد الجميع.

  قال الرازي: واعلم أن هذه الآية من جملة الآيات التي تلاطمت فيها أمواج الجبر والقدر، فالقدري يتمسك بقوله تعالى: {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً}⁣[الإنسان: ٢٩] ويقول: إنه صريح مذهبي، ونظيره: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}⁣[الكهف: ٢٩] والمجبري يقول: متى ضمت هذه الآية إلى الآية التي بعدها خرج منه صريح مذهب الجبر وذلك أن قوله: {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً}⁣[الإنسان: ٢٩]، يقتضي أن تكون مشيئة العبد متى كانت خالصة فإنها تكون مستلزمة للفعل، وقوله بعد ذلك: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}⁣[الإنسان: ٣٠] يقتضي أن مشيئة الله تعالى مستلزمة بمشيئة العبد ومستلزم المستلزم مستلزم، فإذا مشيئة الله مستلزمة لفعل العبد وذلك هو الجبر، وهكذا الاستدلال على الجبر بقوله: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}؛ لأن هذه الآية أيضاً تقتضي كون المشيئة مستلزمة للفعل ثم التقرير ما تقدم. ا ه.

  والجواب عليه: أما على قول أهل الكسب فمعارضة؛ لأنا نقول: إذا كانت الاعتبارات والأحوال قلبية لا تتميز صارت موجبة؛ لأنها مشيئة وذلك هو الجبر بعينه في الأفعال والاعتبار والأحوال.