الجدال
  النبي ÷ ناظر القوم بغير ما يقتضيه المقام لخرج عن حيز البلاغة التي هي في ذلك الوقت ناموس خطبائهم، وحلية رجالهم، ومآل مفاخرتهم فاتبع النبي ÷ التي هي أحسن من مراعاة الكلام لمقتضى الحال والقرآن يفسر بعضه بعضاً، قال تعالى: {وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}[الأنعام: ١٠٨] وقال تعالى: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا}[الفرقان: ٧٢] وقال النبي ÷: «المؤمن ليس بلعان ولا طعان»(١) وغير ذلك، والابتداء باللين ثم الخشونة، وآخرة الداء الكيّ، وذلك السيف، هذا وفي كل حال والمعجزات الإلهية نازلة بهم مع القرآن وهي أفحم من أساليب المتكلمين.
  وأما احتجاجه بخبر ابن عباس | من أن النبي ÷ صرح لقريش إلى قوله: «فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد» وخبر أبي موسى فكأنه غفل عن مقام النبي ÷ فوق عشر سنين بين أظهرهم يدعوهم ويضرب لهم الأمثال، ويخبرهم بالمغيبات، ويتلو عليهم الآيات البينات، وينزل بهم الخوارق والمعجزات، ويهتف بهم الهواتف في القفار وفي الليالي المظلمات بعد أن تحداهم أن يأتوا بمثل سورة من القرآن العزيز فعجزوا وأفحموا عن معارضته فلذا رموه بالسحر والكهانة لما أفحمهم وأعجزهم كما رميتم أهل الكلام.
  [ابن الوزير] قال |: الوجه الثاني: إن الله تعالى أجمل كيفية الجدال بالتي هي أحسن في تلك الآية وبينه في غيرها بتعليمه في القرآن العظيم لنبيه ÷ فقال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ
(١) مسند أحمد ١/ ٤٠٤، صحيح ابن حبان ١/ ٤٢١، المستدرك على الصحيحين ١/ ٥٧، ٥٨، موارد الظمآن ١/ ٤٢.