القسم الثاني مسائل النفي
  والغم: «هو علم الحي أو ظنه أو اعتقاده بأن عليه في الفعل جلب مضرة، أو فوت منفعة، والذي يؤدي إليهما كالمعاصي»، فإنها وإن كانت لذيذة شهية في الحال فإنها تسمى مضرة؛ لما كانت تؤدي إلى المضرة، وهي العقاب الدائم، والشيء قد يُسمى باسم ما يؤدي إليه، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}[النساء: ١٠] فسمى ما يأكلون ناراً لما كان يؤدي إليها، وكل ذلك لا يجوز إلا على من كان مشتهياً أو نافراً، فيلتذ بإدراك ما يشتهيه ويسترّ به، ويتألم بإدراك ما ينفر عنه ويغتم به.
  فثبت الأصل الأول، وهو أن الله تعالى لو كان محتاجاً، لوجب أن يكون مشتهياً أو نافراً.
  · ليس بذي شهوة أو نفار:
  وأما الأصل الثاني: وهو أنه تعالى لا يجوز أن يكون مشتهياً ولا نافراً.
  فالذي يدل على ذلك: أنه تعالى لو كان مشتهياً أو نافراً، لم يخل إما أن يكون مشتهياً أو نافراً لذاته أو لغيره.
  والغير لا يخلو، إما أن يكون فاعلاً أو علة.
  والعلة لا تخلو، إما أن تكون معدومة أو موجودة.
  والموجودة لا تخلو، إما أن تكون قديمة أو محدثة.
  والأقسام كلها باطلة؛ لأن الأقسام ثلاث:
  ١ - قسمة تذكر، ويراد بها إثبات الكل، كقسمة الموانع التي قدمنا ذكرها، فإن كل واحد منها يمنع من الرؤية.
  ٢ - وقسمة تذكر، ويراد بها إثبات البعض وإبطال البعض، وهي ما قدمنا من الكلام في كيفية استحقاقه تعالى للصفات، التي قدمنا ذكرها، فإنا أبطلنا أن يستحقها بالفاعل وبالمعاني، وأثبتنا أنه يستحقها لذاته.
  ٣ - وقسمة تذكر، ويراد بها إبطال الكل وهي هذه، فإن كل واحدٍ من أقسامها لا يجوز على الله تعالى.