الجزء الأول
  لجة ذلك الماء راكب على الفلك فقلت: {ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها} وواها لما بقي من المهجة واها، وعلمت بصحة القيافة أنه غصن من أغصان شجرة الخلافة.
  فاني لم أكن قد أثبته معرفة فلما قرب مني قاربت الموصوف الصفة، وتبين أنه من لا أسميه إجلالا وتكرمة والبدر الذي به نفس السيادة مغرمة وإذا ذلك الراعي يترنّم بمطلع الشعر الذي تقدم:
  للّه أحباب عرفناهم ... لما رأيناهم بسيماهم
  إنا رأينا السعد قد أشرقت ... نجومه حين رأيناهم
  وقد لقينا كلما تشتهي ... نفوسنا يوم لقيناهم
  رقّوا وراقوا فوحقّ الهوى ... لو استطعنا لشربناهم
  فلما رآني الفتى قال لي، وهو مبتسم: متى جئت متى؟ - فأخبرته بالخبر اليقين فقال: أدخلوا مصر إن شاء اللّه آمنين، وكان قد سمع الراعي وهو يتغنى بهذه الأبيات فقال أعدها عليّ فأعدتها له ثلاث مرات، فصفق بيديه، وخرّ مغشيا عليه، فنضحته بشيء من الماء، وعوذته بالرقى والأسماء، فلما رجع عليه حسّه، واطمأنت نفسه، وتأكدني أنسه، أخذت أعلله برقايق الأخبار، وأسليه بمحاسن الأشعار وأريه تلك الربا التي ضحكت فيها الأزهار، وبكت عليها الأمطار، وتجاوبت ما بينها الأطيار، وطابت فيها الأصال والأسحار، فما كان أسرع ما أنشد الراعي وكأنه قصد إسماعه وإسماعي فقال: -
  ما كان عن هذا وهذا وذا ... أغنى المحبين وأغناهم
  يا ليتنا عن مهجات لنا ... مشوقة غابت سألناهم
  فإنها يوم النوى فارقت ... صدورنا تحذوا مطاياهم
  لقد عدمناها، ورب السماء ... والأرض من يوم عدمناهم
  سقيا ورعيا لهم ما غدت ... قلوبنا تزهو بلقياهم
  فقال حين سمعها: الحمد للّه وحده، اللهمّ عجّل بالفرج بعد هذه الشدة وإعترته حينئذ هزة، وكاد يمزق ما عليه من البزة، وندمت على