الجزء الثالث
  سوء التوكل على اللّه ø، وإن رجاء ما في يده لا يكون إلا بعد اليأس من روح اللّه، لأنه يرى الأقتار الذي نهى اللّه عنه هو الإسراف الذي يعذب اللّه عليه، وأن الصدقة منسوخة، وأن الضيافة مرفوعة، وأن إيثار المرء على نفسه عند الخصاصة إحدى الكبائر الموجبة الهلكة، وكأن لم يسمع بالمعروف إلا في الجاهلية الأولى الذين قطع اللّه دابرهم ونهى المسلمين عن اتباع آثارهم، وكأن الرجفة لم تصب أهل مدين عنده إلا لسخاء كان فيهم، ولم تهلك الريح العقيم عادا إلا لتوسع ذكر منهم، وهو يخاف العقاب على الإنفاق، ويرجو الثواب على الإقتار، ويعد نفسه الفقر، ويأمرها بالبخل، خيفة أن ينزل به بعض قوارع الظالمين، ويصيبها ما أصاب القوم المجرمين، فأقم يرحمك اللّه على مكانك، وإصطبر على عسرتك، وتربص به الدوائر عسى اللّه أن يبدلنا وإياك خيرا منه زكاة وأقرب رحما. والسلام».
  ومن بشّر إلى بشار بن رضابة:
  «أما بعد فاني رأيتك في أول زمانك تغدو على العلماء وتروح عنهم، وتحدّث عن اللّه وعن ملائكته ورسله، وقد أصبحت تحدّث عن معن وعن عماله، وعن أبي مسلم وعن أصحابه، فبئس للظالمين بدلا، فمن خلفت على أهلك أو على من تتكل في هول سفرك، أو بمن تثق في حال غربتك، أباللّه أم عليه؟ وكيف ولست أخشى عليك إلا من قبله، لأنه قد أعذر إليك فعصيت أمره، وأطعت أعداءه، وخرجت مغاضبا تظن أن لن يقدر عليك، فاتق على نفسك الزلل، وانزل عن دابتك في كل جبل، فإذا استويت أنت ومن معك على ظهورها فلا تقل {سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا} لأن اللّه تبارك وتعالى قد كره أن يحمد على ما نهى عنه، ولكن قل:
  {رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ}، والسلام».
  ومن بشر إلى الحجبي:
  «أما بعد فان اللّه وله الحمد قد كان عرضني وجوها كثيرة، وخيرني في مكاسب حلال، وكنت بتوفيق اللّه ø وإحسانه قد اخترت منها ناحية الأمير حفظه اللّه، ورضيت به من كل مطلب، واقتصرت على رجائه