عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح،

بهاء الدين السبكي (المتوفى: 763 هـ)

الفن الأول: علم المعاني

صفحة 301 - الجزء 1

  .. ... .....


  واحد، وهذا لا يمنع؛ لأن امتناعه لا للمعنى؛ لأنه صالح لهما، ولا للفظ؛ لأنه لو امتنع لكان لتنافر لفظي فيمتنع حينئذ: زيد وعمرو قائم على الحذف، وأيضا يرده قوله تعالى: {وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ}⁣(⁣١) فإنه نص فيما قلناه، وقوله: «وإن صح ففي الجمع» ظاهره يوهم أنه يصح في الجمع: «رجلان صبور» وهو فاسد، لكن مقصوده إن صح الإخبار بفعيل عن أكثر من مفرد ففي الجمع. وقوله: إن ذلك لا يصح في التثنية، يرده قوله تعالى: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ}⁣(⁣٢) فإنه قد نقل الواحدي⁣(⁣٣) عن المبرد⁣(⁣٤) وابن عطية⁣(⁣٥) عن الفراء⁣(⁣٦) أن قعيد مبتدأ لهما، ولكن مع ذلك أقول: لا يسوغ هنا أن يكون لغريب خبرا عنهما؛ لأن (قيار) إما مبتدأ فلا يصح أن تدخل اللام في خبره، ولهذا منعنا أن يكون حذف من الأول لدلالة الثاني، ويجوز أن يقال: (غريب) صار له جهتان: جهة خبرية المبتدأ، وجهة خبرية إن، فتدخل اللام بإحدى الجهتين، لكن الظاهر خلافه، فإن تعارض المانع والمقتضى يدفع الحكم، بل نقول: إنما يكون التعارض بين مانع وموجب، وهنا بين مانع وموجز فيرتفع جواز دخول اللام


(١) سورة التحريم: ٤.

(٢) سورة ق: ١٧.

(٣) الواحدي: هو علي بن أحمد بن محمد بن علي الإمام أبو الحسن الواحدي، إمام مصنف مفسر، نحوى، لازم مجالس الثعالبي في تحصيل التفسير، صنف: البسيط والوسيط والوجيز في التفسير، وأسباب النزول، والإغراب في علم الإعراب، مات سنة ثمان وستين وأربعمائة، انظر بغية الوعاة (٢/ ١٤٥).

(٤) المبرد: هو محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الأزدي البصري، أبو العباس المبرد. إمام العربية ببغداد في زمانه، أخذ عن المازني وأبى حاتم السجستاني، وروى عنه إسماعيل الصفار ونفطويه والصولى، ومات سنة خمس وثمانين ومائتين، انظر بغية الوعاة (١/ ٢٦٩)، وله ترجمة مطولة في تحقيقنا لكتابه (الكامل) ط دار الكتب العلمية.

(٥) ابن عطية: عبد الحق بن غالب بن عبد الرحيم - وقيل عبد الرحمن - ابن غالب بن تمام بن عبد الرؤوف بن عبد الله بن تمام بن عطية الغرناطي، صاحب التفسير، الإمام محمد الحافظ القاضي. كان نحويا لغويا أديبا، ألف تفسير القرآن العظيم وقيل: إنه مات سنة ست وأربعين وخمسمائة، انظر بغية الوعاة (٢/ ٧٣).

(٦) الفراء: يحيى بن زياد بن عبد الله بن مروان الديلمي إمام العربية، قيل له: الفراء لأنه كان يفرى الكلام، كان أعلم الكوفيين بالنحو بعد الكسائي، صنف الفراء: معاني القرآن، البهاء فيما تلحن فيه العامة، مات سنة سبع ومائتين، انظر بغية الوعاة (٢/ ٣٣٣).