عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح،

بهاء الدين السبكي (المتوفى: 763 هـ)

الفن الأول: علم المعاني

صفحة 501 - الجزء 1

  ..


  وَرَسُولَهُ}⁣(⁣١) ولما كان من الله سبحانه وتعالى بمكان عظيم كان إيذاؤه إيذاءه وعطف الصفات بعضها على بعض إشارة لاستقلال كل واحد منها - كما هو معروف في موضعه وسيأتي - وقوله تعالى: {مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ}⁣(⁣٢) قالوا: من عطف الخاص على العام وفيه نظر؛ لأن المعطوفات إذا اجتمعت فإما أن تقول: إن كلها معطوف على الأول فقوله تعالى: وَجِبْرِيلَ معطوف على لفظ الجلالة وإن كان كل واحد على ما قبله فيكون جبريل معطوفا على رسله، والظاهر أن المراد بهم: الرسل من بني آدم لعطفهم على

  الملائكة فليس منه والتحقيق أن يقال: هو من عطف الخاص بعد العام أو من ذكر الخاص بعد ذكر العام وقوله تعالى: {سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ}⁣(⁣٣) عكسه إلا أن يكون المراد بالسبع المثاني وبالقرآن العظيم واحدا.

  ولنرجع إلى كلام المصنف.

  فالقسم الأول: أن تكون الثانية مؤكدة للأولى والموجب للتأكيد دفع توهم الغلط أو التجوز وهو قسمان تارة بتنزل الثانية من الأولى مع الاختلاف في معنى الجملتين منزلة التأكيد المعنوي من متبوعه في إفادة التقرير، كقوله سبحانه وتعالى: {ألم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ}⁣(⁣٤) فإن لا رَيْبَ فِيهِ وزان نفسه في قولك: جاء الخليفة نفسه، فإنه بولغ في وصف الكتاب ببلوغه إلى أقصى الكمال، فجعل المبتدأ ذلك وعرف الخبر باللام، ومع ذلك جائز أن يتوهم السامع قبل التأمل في قوله سبحانه وتعالى ذلك مجازا فأتبع ذلك بلا ريب فيه، دفعا لهذا التوهم، كما أتبع الخليفة في قولك: جاء الخليفة نفسه كذا قالوه ولا يخلو عن نظر؛ لأنه أقصى ما يمكن أن يقال: إن دلالة {ذلِكَ الْكِتابُ}⁣(⁣٥) على نفى الريب باللازم أما إنه بالمطابقة حتى يكون مثل: جاء زيد فبعيد، ولا يخفى أن هذا تفريع على أن لا ريب ليس نهيا، وقد قيل: إنه نهى معناه لا ترتابوا فرارا مما يوهمه الخبر من نفى وقوع الريب من أحد - وللكلام في ذلك سبح طويل ليس هذا محله - وكذلك قوله تعالى: {كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً}⁣(⁣٦) وجعله كأن لم يسمعها من قسم ما لا موضع له من الإعراب فيه نظر،


(١) سورة الأحزاب: ٥٧.

(٢) سورة البقرة: ٩٨.

(٣) سورة الحجر: ٨٧.

(٤) سورة البقرة: ١، ٢.

(٥) سورة البقرة: ٢.

(٦) سورة لقمان: ٧.