الفن الثاني علم البيان
  
  هذين فالتمليح بمعنى الإتيان بشئ مليح لا المصطلح عليه، وأن يكون لفا ونشرا، والأول للثاني والثاني للأول وهو التمليح، المصطلح عليه، وهو الإشارة في الكلام إلى قصة أو مثل، ونحو ذلك، وهذا هو المتعين، وبه يظهر أن كل مثال لواحد. فإنا إذا أخذنا قوله:
  وللبخيل هو حاتم إلى التمليح فالقصة المشار إليها ما اشتهر من كرم حاتم وأخباره، ونعيد التهكم إلى قولنا للجبان: هو كالأسد؛ لأن التهكم موجود فيه - أي: الاستهزاء، وقد اعتبر عبد اللطيف البغدادي - في كتابه في البلاغة - التضاد على وجه آخر، فقال: قد يشبه أحد الضدين بالآخر، إذا كان أحدهما أظهر، كما يقال: العسل في حلاوته، كالصبر في مرارته، وكقول الحكيم: الموت في قلة الأمل مثل ساعة الإنزال في شدة اللذة؛ إذ هذا بدء خلق، وهذا بدء هدم، وأنشد لابن المهدى يخاطب المأمون ويعتذر:
  لئن جحدتك معروفا مننت به ... إنّى لفى اللؤم أحصى منك في الكرم
  (قلت): إن وجه الشبه ليس هو التضاد، بل هو مطلق القوة، أو الشدة الموجودة في كل من الضدين، كما نقول: السواد كالبياض في أن كلا منهما لون، أو اللون كالشم في أن كلا محسوس.
  (تنبيه): ما تقدم من الأمثلة لوجه الشبه كله من الوجه الحقيقي، وقد تقدم أن وجه الشبه قد يكون خياليا في الطرفين، أو في الأول، أو في الثاني. فإذا كان وجه الشبه واحدا حسيا مثلا، فتارة يكون تحقيقيا في الطرفين، كتشبيه خد بورد، وتارة يكون تخييليا في أحدهما، كتشبيه الإيمان بالشمس، والسنن بالنجوم، والجامع النور الذي هو خيالي في أحدهما كما سبق، ويصدق حينئذ على هذا الوجه أنه مختلف؛ لأنه خيالي بحسب أحد الطرفين، حقيقي بالنسبة إلى الآخر. وهذا ما تقدم الوعد به من أن وجه الشبه سواء أكان واحدا، أم مركبا، أم متعددا، قد يكون حسيا، أو عقليا، أو مختلفا، إلا أن اختلافه في غير الأول على معنى أنه مجموع أمرين، أو أمور، وفي الأول على معنى أنه كلى صادق على أمرين بحسب نوعين. وإذا أردت تعداد وجوه الشبه على التفصيل، فقد علمت أن وجه الشبه، قد يكون واحدا، أو غيره، وأن أقسامه سبعة