الفن الثاني علم البيان
  
  مقدمة وما بعدها مصدر فلا يصدق في قولك: عجبت من أن زيدا قائم، أن يقال:
  من أن مركبة، وشأن التركيب أن يجعل للكلمتين عند التركيب معنى ثالثا لم يكن قبل التركيب أو يحدث لهما أمرا لفظيا.
  الرابع: ما تقدم من أن كأن للتشبيه على الإطلاق هو المشهور، وذهب الكوفيون والزجاج وابن الطراوة وابن السيد إلى أنها إن كان خبرها اسما جامدا فهي للتشبيه، وإن كان مشتقا فهي للشك بمنزلة ظننت وتوهمت، قال ابن السيد: إذا كان خبرها فعلا أو جملة أو صفة فهي فيهن للظن والحسبان، ولا تكون للتشبيه إلا إذا كان الخبر مما يمثل به فإن قلت: كأن زيدا قائم، لا يكون تشبيها لأن الشئ لا يشبه نفسه، وأكثر الناس على الأول، فقيل: إن معنى: كأن زيدا قائم تشبيه حالته غير قائم بحالته قائما، وقال ابن ولاد: معناه تشبيه هيئة حال عدم القيام بهيئة حال القيام.
  الخامس: إذا ثبت أنها للتشبيه فقد تخرج عنه فتستعمل في غيره. قال ابن الأنباري:
  في قولهم: كأنك بالشتاء مقبل. معناه: أظن، وجعل الكوفيون هذا، وقولهم: كأنك بالفرج آت. للتقريب، وكذا قول الحسن: كأنك بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل.
  والجمهور يؤولون ذلك على تأويل يرجع إلى التشبيه لا نطيل بذكره، وزعم الكوفيون والزجاجي أن كأن للتحقيق في قوله:
  فأصبح بطن مكّة مقشعرّا ... كأنّ الأرض ليس بها هشام(١)
  وقال ابن أبي ربيعة:
  كأنّنى حين أمسى لا تكلّمنى ... متيّم يشتهى ما ليس موجودا(٢)
  والجمهور يؤولون ذلك.
(١) البيت من الوافر، وهو للحارث بن خالد في ديوانه ص: ٩٣، والاشتقاق ص: ١٠١، ولسان العرب ١٢/ ٤٦١ (قثم).
(٢) البيت من البسيط، وهو لعمر بن أبي ربيعة في ديوانه ص: ٣٢٠، والجنى الداني ص: ٥٧١، والخصائص ٣/ ١٧٠.