[من كتاب طرفة الأصحاب في معرفة الأنساب]
  في البرايا وخَلْقِهم أَطْوَاراً ... حِكْمَةٌ تتركُ العقولَ حَيارى
  فحليماً منهم ترى وسفيهاً ... وجباناً وباسلاً مِغْوارا
  ومُصِيباً ومُخْطِئاً وقوياً ... وضعيفاً ومُسْتَجيراً وجارا
  ودعاهم ليعبدوه فما زا ... لوا منيباً وفاجراً كفارا
  سنّة الله في العبادِ اختلاف ... بينهم يملأُ الصدورَ نفاراً(١)
  ولهذا تحزَّبوا وادَّعى العا ... قل والأحمق الصوابَ ومارى
  ومن المضحك الغريب اقتحام الـ ... ـبغل بين الفوارس المضمارا
  قال لي بعضُ مدَّعي العلم ممن ... أضرم الحُمْقُ بين جنبيه نارا
  هل ترفَّضْتَ قلتُ لم أدْرِ ما الر ... فض لديكم حقيقة واعتبارا
  فرفيعٌ مقام قومي وسام ... أن يجاروا السفيه والمِهْذارا
  غير أن الضرورة اقْتَضَتْ الـ ... إيضاح فالصمت يُوْهِمُ الإقرارا
  فاستمعْ ما أقوله ثم قُلْ ما ... شِئْتَ بعد اعتذاراً أو إنكاراً
  إنّ لي من تمسكي بكتابِ اللـ ... ـه ما أتَّقِي به الأخطارا
  ولما صحَّ من حديث أبي القا ... سم أنقادُ راضياً مختارا
  لا أعاني التأويل فيه اتباعاً ... للهوى أو تعصباً أو ضرارا
  مذهبي مذهب الوصي أبي السبـ ... ـطين فالحقُّ دايرٌ حيث دارا
(١) أي سنة الله سبحانه تمكينهم من الاختلاف ليصحّ التكليف، لا على أنه تعالى سنَّ لهم الاختلاف؛ لأنه قد ذمَّهم عليه ونهاهم عنه بقوله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[آل عمران: ١٠٥]، وهذا على معنى قوله: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ١١٨ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}[هود]، أي: من الاختلاف وقد أوضحتُ ذلك في الفصل الأخير من شرح الزلف والله ولي التوفيق.