عيون المختار من فنون الأشعار والآثار،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

أسلوبه وغزارة علمه

صفحة 29 - الجزء 1

  وخَلُصَتْ عن كل شائبةٍ سَجيّتُه، وانْطَبَعَتْ نَفْسُه بمبادئِ الخُلاصَةِ المصْطَفَاةِ، ومُقَوِّماتِ السعَادَةِ والصَّراحَةِ في ذاتِ اللهِ، وطَهُرَتْ طُفُولَتُه الغَضَّة عن أَوْضَارِ لِدَاته، وحَازَ المُثُلَ العُلْيا في عُنْفُوَانِ حياتِه، ورُبَّ صغير قَوْم كبير قَوْم آخَرين، فنَبَغَ منه مُثَقَّفٌ مُؤَيَّد، ومُقَوَّمٌ مُسَدّدٌ، مُؤَهَّلٌ للمكْرُمَاتِ، مُرَشَّحٌ للكمالاتِ، وقد اسْتَزَادَ من ظُرُوْفِهِ المحِيْطَةِ، ولَمَحَاتِهِ الصَّادِقَةِ الحديدة؛ عِلْماً إلى فَهْمٍ، وتَصْمِيماً في الجدِّ والعَزْمِ، كي يَلْحَقَ برَكْبِه.

  إلى قوله |: وبعد أن اسْتَوْلى على عِلْمَيْ الدِّرَايَةِ والرِّوَايَةِ، وسَلَّمَتْهُ أزِمَّتَها أرْبَابُ التَّحْقِيْقِ والهِدَاية، طَارَ اسْمُه وشَاعَ ذِكْرُهُ، وعَظُمَ خَطَرُهُ، فَصَارَ قِبْلَةَ الأَصَابِعِ، وممثّلَ الفَضِيْلَةِ الجَامِعِ، ورَائِدَ المتَطَلِّعِينَ إلى ذروة الفَوْزِ والفَلاح، وطَلِيْعَةَ السَّابقِينَ من دُعَاةِ الحِكْمَةِ والعَدَالَةِ والإصْلاح، تَلْهَجُ الأَلْسُنُ بمَحَامِدِه، ويَنْشُرُ الأَثيرُ آياتِ مَجْدِهِ وشَوَاهِدِهِ، ولذَلك خَفَّتْ إليه جُمُوعُ الطَّلَبَةِ، أهْلِ الهِمَمِ السَّامِيَاتِ، وأَحْدَقَتْ به الآمَالُ من كُلِّ المنَاحِي والجِهَاتِ، فَبَسَطَ لهم من خُلُقِه رَحْباً، ومَنَحَهُمْ إِقْبَالاً وَقُرْباً، ومَلأَ قُلُوبَهم شَغَفاً بالعِلْمِ وحُباً، وشَحَذَ عَزَائِمَهُمْ، وَرَتَقَ ما فَتَقَ من تَصْمِيْمِهِمْ ونَشَاطِهِمْ، فكَانَ لهم أَخَاً شَغُوْفاً، وَوَالِداً بَراً عَطُوْفاً، وَصَيِّباً هَتَّاناً دَفُوْفاً، أَنْسَاهُم عن الآبَاءِ والإِخْوَانِ، وعن نَفِيْسِ الجَوَاهِرِ والعِقْيَانِ، فسُبْحَانَ رَبّ يُعْطِي مَنْ يَشَاءُ ما يَشَاءُ، أَرْيَحِيَّةٌ هَاشِمِيَّةٌ، وأَخْلَاقٌ مُحَمَّدِيَّةٌ، وَتَحَمُّلَاتٌ عَلَوِيَّةٌ.

أسلوبه وغزارة علمه

  وَمَهْمَا أَنْسَ مِنْ شَيءٍ لا أَنْسَى أُسْلُوبَهُ الحَسَنُ، وطَرَائِقَهُ الفَذَّةُ في التَّدْرِيْسِ، والتَّلْقِيْنِ بالتَّوْضِيْحِ والتَّفْهِيْمِ، والصَّبْرِ على طَبْعِ المعَانِي في قَرَارَةِ نُفُوْسِ الطَّلَبَةِ،