درر الفرائد في خطب المساجد،

عبد الله بن صلاح العجري (المتوفى: 1427 هـ)

دائرة عامة

صفحة 244 - الجزء 1

  أما الصدق في العمل فإنه كذلك من أشرف الأخلاق الفاضلة، والصدق في العمل هو الإخلاص، والمخلص في عمله: هو الذي يطلب بالعمل غايته الصحيحة، ولذلك يقال: «الإخلاص في العمل أشد من العمل»، وعكس المخلص هو المرائي، وهو الذي يغير وجه العبادة ذريعة لتحصيل الجاه، ويطلب بها المنزلة عند الناس، فهو يعبد الناس بعبادة الله، ويجعل الدين سُلَّماً لأهوائه وأغراضه، والله يقول: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}⁣[الملك: ٢]، وهو الخالص لله وحده الذي لا يريد العامل به إلا وجه الله والزلفى لديه، ولا يريد أن يحمده عليه أحد من الخلق.

  ومن الإخلاص في العمل أن يكون ظاهر الإنسان موافقاً لباطنه، فلا يقول ما لا يعمل، ولا يعمل ما لا يعتقد، ولا يعتقد غير الحق، فيكون للحق سره وجهره، وللفضيلة قوله وعمله.

  ومن الصدق في الأقوال والأعمال الوفاء، فوفاء الإنسان برهان ثباته على المبدأ، ودليل ثقته بنفسه؛ لأن ضعيف الإرادة لا يمكنه أن يفي بشيء إلا نادراً، وفي الأثر: «عدة المؤمن دين، وعدة المؤمن كالأخذ باليد»⁣(⁣١)، إذا وعد الإنسان بعدةٍ فقد رهن شرفه وحبس مروءته بهذا الميثاق، فإذا أخلف بوعده فقد عرض شرفه للثلم، وعرض مروءته للانتقاص، وقد ينتحل الأعذار الكاذبة ليسد بها هذا النقص فيضم إلى خلف الوعد جريمة الكذب التي هي منافية للإيمان كما نص عليها القرآن في قوله تعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ}⁣[النحل: ١٠٥].

  ألا وصلوا وسلموا على من صلى الله عليه وملائكته وأمركم بالصلاة


(١) قال الإمام مجدالدين المؤيدي رحمة الله تغشاه في كتابه لوامع الأنوار: أخرجه الديلمي في مسند الفردوس عن علي (#)، ورواه الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة بن سليمان في كتابه المسمى بالمجموع المنصوري عن الإمام علي # بلفظ: «عدة المؤمن كآخذ بالكف».