[دائرة في ذي الحجة]
[دائرة في ذي الحجة]
  أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ﷽
  الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الفاشي في الخلق فضله، الباسط فيهم بالجود نعمه، الذي ابتدع الخلق على غير مثال، فصار كل ما خلق حجة له ودليلاً عليه، وإن كان صامتاً فحجته بالتدبير ناطقة، ودلالته على المبدع قائمة، نحمده على كل حال وفي كل حين.
  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ومولانا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين.
  عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله التي هي الزاد وبها المعاد، زاد مبلغ ومعاد منجح، دعا إليها أسمع داع ووعاها خير واع، فأسمع داعيها وفاز واعيها.
  وانظروا عباد الله إلى الدنيا نظر الزاهدين فهي عما قريب منتهية زائلة، لا يرجع ما تولى منها وأدبر، ولا يدرى ما هو آت فيها فينتظر، سرورها مشوب بالحزن، وغاية الناس فيها إلى الضعف والوهن.
  فاتقوا الله عباد الله، والتقوى: هي أن تكونوا دائماً حيث أمركم الله ولا يراكم حيث نهاكم، واذكروا إذا بلغ الكتاب أجله، وأُلحق آخر الناس بأولهم، وجاء من أمر الله ما يريده من تجديد خلقه، فأماد السماء وفطرها، وأرجَّ الأرض وأرجفها، وقلع جبالها ونسفها، ودك بعضُها بعضاً من هيبة جلالته وخوف سطوته، فأخرج من فيها وجددهم بعد خلاقهم وجمعهم بعد تفرقهم، ثم ميزهم لما يريد من مساءلتهم عن خفايا الأعمال وبواطن الأفعال، {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ٣١}[النجم]، يثيب أهل طاعته بجواره ويخلدهم في داره، حيث لا تتغير بهم الحال، ولا تنوبهم الأهوال، ولا تنالهم الأسقام في دار {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ}، وينزل العصاة في شر دار، تُغل أيديهم إلى الأعناق، وتقرن النواصي بالأقدام، لباسهم