خطبة في فوائد نعمة الحفظ والنسيان
خطبة في فوائد نعمة الحفظ والنسيان
  أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﷽
  الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي ارتفعت عن مطارح الفكر جلالته، وجلت عن مطامح الهمم عزته، وتعالت عن مشابهة الأنام صفته، الحمد لله الذي أعجزت مدارك الأفهام حكمته، وفاقت مبالغ الأوهام عظمته، الذي له آيات واضحة ودلالات ناطقة فيما رأت الأبصار وذكرت الألسن وبلغته العقول وعرفته القلوب، تدل على تفرده بالوحدانية، وعلى تفرده بعلمٍ وحكمةٍ وقدرةٍ غير متناهية.
  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهاً واحداً أحداً فرداً صمداً، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، وأشهد أن سيدنا ومولانا محمداً عبده ورسوله، سيد الأنبياء والمرسلين، وخير الأولين والآخرين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الطاهرين.
  عباد الله، نتواصى بتقوى الله فربنا يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ٢٨}[الحديد].
  أيها الناس، إن الخاسر حقاً من أخرجه الله من رحمته التي وسعت كل شيء، ومن جنته التي عرضها السماوات والأرض بسوء عمله، فتزودوا لآخرتكم فإن خير الزاد التقوى، كونوا كمن عاين ما أعد الله له من ثواب أو عقاب لترغبوا في طاعة الله وتتجنبوا معاصيه، وأديموا ذكر الله لتطمئن به قلوبكم فالله يقول: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ٢٨}[الرعد]، ويقول جل شأنه: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ١٥٢}[البقرة]، فإذا جاء الليل فعليكم بتلاوة القرآن في صدره، وبالتضرع والاستغفار في آخره، وإذا ورد النهار فأحسنوا مصاحبته بفعل الخيرات وترك المنكرات، وتجنب ما يرديكم من محقرات الذنوب فإنها مشرفة بكم على قبائح العيوب، واحذروا ندامة التفريط حيث لا تنفع الندامة إذا زلت الأقدام، وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون.