درر الفرائد في خطب المساجد،

عبد الله بن صلاح العجري (المتوفى: 1427 هـ)

[في المولد النبوي الشريف]

صفحة 307 - الجزء 1

  البركات والخيرات، والسبب الثاني هو الاستقامة على عبادة الله وطاعته، قال الله تعالى: {وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ١٦}⁣[الجن]، {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}⁣[الأعراف: ٩٦].

  فالاستقامة سفينة النجاة في الدنيا وطريق الفلاح في الآخرة، والاستقامة هدف يتطلع نحو تحقيقه كل البشر، ولكن النادر القليل من يحققه، وقد أكرم الله المستقيمين كرامة عظيمة، اسمعوا معي ما يقول الله في ذلك: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ٣٠ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ٣١ نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ٣٢}⁣[فصلت].

  فاستغفروا الله واتقوه واستقيموا، وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون.

  أيها المؤمنون، إن شهرنا هذا شهر ربيع الأول هو شهر ميلاد الإسلام وشهر مولد رسول الإسلام، إمام الأنبياء وسيد الأنام سيدنا محمد عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام.

  وبناء على ذلك فقد اخترنا في هذه الخطبة أن نقتطف ونأخذ لمحات من سيرته ÷ لنسلك سبيله ومنهاجه، ولنعرف ما أتانا به فنأخذه ونعمل به، فالله تعالى يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ}⁣[الأحزاب: ٢١]، ويقول تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}⁣[الحشر: ٧].

  وإذا درسنا حياة الأنبياء $ نجد أن من أخص خصائصهم الكمال الذاتي، وأن رسالة اللاحق منهم امتداد لرسالة من قبله في جوهرها وفي أهدافها، وأنهم من أجل ذلك كانوا في صراع مرير دائم مع قوى البغي والشر، وأن من قتل منهم وشرد وعذب لم يكن إلا من أجل دعوته إلى الخير والحق، وإلى العدل والمساواة، الخير والعدل الذي لا تهواه الأنفس الشريرةُ تجار المبادئ، ويؤكد هذا