فصل في الكلام في الألوان والطعوم والروائح
  فنسبها إلى المؤمنين. وإن قلتم: هي فعلكم وفعل اللّه، فقد صرتم شركاء للّه في فعله. وإن قلتم: هي فعلكم أوجبتم أن القرآن فعلكم.
  فنقول: الصّلاة هي نيّتنا وقيامنا وتكبيرنا وقراءتنا وركوعنا وسجودنا وتسبيحنا وتشهدنا وتسليمنا، وليس القرآن في ذاته بصلاة(١)، إذ ليس كل من قرأ القرآن بمصلّ، فصحّ أن صلاتنا هي فعلنا ولا يتم فعلنا الذي هو الصلاة إلا بقيامنا بفعل اللّه وقراءتنا له. كما أن الزكاة فعلنا، ولا تتم إلا بحصول المزكّى، وهو من فعل اللّه، وقد قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ}[المؤمنون: ٤]، فصحّ أن الزكاة فعلنا، وهي النيّة وإخراج ما أوجب اللّه في الأموال، وهو يسمّى زكاة على المجاز، وكذلك الصّدقة، قال اللّه تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ}[التوبة: ٦٠]، فسمّى المخرج صدقة ثم قال: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ}[النساء: ١١٤]، فبيّن أن الصّدقة هي الإخراج، فصحّ أن الزكاة هي فعل المزكّي على الحقيقة، وأن المخرج يسمّى زكاة على المجاز. وقد يوجد في كتاب اللّه أشياء تسمّى بأسماء على الحقيقة، وأشياء تسمّى بأسماء على المجاز(٢) من ذلك قول اللّه تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}[الأحزاب: ٣٣]، وقوله تعالى: {لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ}[الأحزاب: ٥٣]، والبيوت للنبي على الحقيقة، وبيوت نسائه على المجاز. وكذلك قال عزّ من قائل: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ}[الكهف: ٧٩]، فنسبها إليهم. ثم قال تعالى: {وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ
(١) في (ش): في ذاته صلاة.
(٢) في (ش): تسمّى باسم الحقيقة، وأسماء تسمى باسم المجاز.