حقائق المعرفة في علم الكلام،

أحمد بن سليمان (المتوكل) (المتوفى: 566 هـ)

فصل في الكلام في الاستطاعة

صفحة 218 - الجزء 1

  وقالت المجبرة⁣(⁣١) من النّجارية والجهمية والأشعرية: الاستطاعة مع الفعل، وقالوا: الاستطاعة على الكفر هي غير الاستطاعة على الإيمان، ولا تكون الاستطاعة على الشيء وضدّه، فمن كان مستطيعا للإيمان لا يكون مستطيعا للكفر⁣(⁣٢)، ومن كان مستطيعا للكفر⁣(⁣٣) لا يكون مستطيعا للإيمان⁣(⁣٤)، ودليلهم أنهم قالوا: إنّا محتاجون إلى اللّه في كل وقت نحتاج فيه إلى الاستطاعة، فلما كانت حاجتنا إليه عند كل فعل، والتمكين منه عند كل شيء، علمنا أن استطاعتنا مع فعلنا.

  قالوا: ولأن أحدنا قد يريد الفعل قبل أن يريد الحركة، فإذا فعل⁣(⁣٥) تحرّك، وإذا تحرّك فعل، فصح⁣(⁣٦) الاستطاعة مع الفعل.

  وقال أبو حنيفة⁣(⁣٧)، ومن قال بقوله من المرجئة،


(١) في (ص): ثم قالت المجبرة.

(٢) في (أ): مستطيعا على الإيمان. وفي (ص): مستطيعا على الكفر.

(٣) في (ص): مستطيعا على الكفر.

(٤) في (أ): مستطيعا على الإيمان.

(٥) في (م): فإن فعل.

(٦) في (ص، ع، د): وصح.

(٧) هو النعمان بن ثابت الكوفي، أبو حنيفة، مولى بني تيم اللّه بن ثعلبة، فقيه العراق، وعلّامة الدنيا بالاتفاق، مولده سنة ٨٠ هـ رأى أنس بن مالك، وروى عن عطاء بن أبي رباح وطبقته، وتفقه على حمّاد بن أبي سليمان. وكان من أذكياء بني آدم، جمع الفقه والعبادة والورع والسخاء، وكان لا يقبل جوائز الدولة، بل ينفق ويؤثر من كسبه، له دار كبيرة لعمل الخز، وعنده صنّاع وأجراء. قال الشافعي: الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة، وقال الشافعي:

من أراد الفقه فليأت أصحاب أبي حنيفة، وقال يزيد بن هارون: ما رأيت أورع ولا أعقل من أبي حنيفة، وسمع رجلا يقول: هذا أبو حنيفة لا ينام الليل، فقال: واللّه لا يتحدث الناس عني بما لم أفعل، وكان يحيي الليل صلاة ودعاء وتضرّعا. واتفق بالإمام الأعظم زيد بن علي # لما وصل الكوفة فدعاه وسأله عن مسائل فأعجب به الإمام زيد. وقد عدّوه في الزيدية. وصنف الزمخشري في مناقبه كتابا سمّاه: شقائق النعمان في حقائق النعمان.

قيل: مات مسموعا. قال الذهبي: سقاه المنصور الدوانيقي السّمّ لقيامه مع الإمام إبراهيم بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب $ في شهر رجب سنة ١٥٠ هـ.