فصل في الكلام في الوعد والوعيد
  بيمينه إلا حرم اللّه عليه الجنّة، وأوجب له النار، فقال رجل من القوم: يا رسول اللّه وإن كان شيئا يسيرا؟ قال: وإن كان سواكا من أراك». وروي عن النبيء ÷ أنه قال: «تحرم الجنّة على أربعة:
  المنّان، والغيّاب، والنّمام، ومدمن الخمر». فبطل ما قالوا.
  فإن اعترض معترض علينا فقال: ليس من العدل أن يعصي العبد عند اقتراب أجله فيعذبه اللّه بمعصية واحدة صادفت موته، ويخلّد في النار(١) ما دامت السماوات والأرض، وهو من أهل القبلة.
  قلنا: ليس هذا بلازم لنا؛ لأنهم مجمعون معنا على أن إنسانا لو كفر وقت بلوغه - وهو من أولاد المشركين - ثم صادف ذلك موته، أنه يكون في النار خالدا مخلدا فيها، مع أنهم قالوا: أطفال(٢) المشركين في النار، ولسنا نقول به. فإذا كان هذا كفر عند بلوغه فدخل النار بكفره، فالذي يعصي ربّه مع معرفته به وبالحلال والحرام أحقّ بالعذاب والنّكال، لما روي(٣): «يؤمر بالعالم الفاسق إلى النار قبل عبدة الأوثان. ويقال: ليس من يعلم كمن لا يعلم».
  ويؤيد ذلك أن الكافر يعصي اللّه وهو يظن أنه لا يراه، والمسلم العالم يعصي اللّه وهو يعلم أنه يراه، فلا يحتشم منه، ولا يمتنع من فعل الفاحشة، ولو علم أن إنسانا يراه - رفيعا أو وضيعا - لاحتشم منه، وامتنع من مواقعة الفاحشة. ألا ترى أنه لا يحتشم من ربّه(٤)،
(١) في (ص، ع): فيخلده في النار.
(٢) في (ع): إن أطفال.
(٣) في (ض): بما روي.
(٤) في (ب، ص، د): لم يحتشم من ربه.