حقائق المعرفة في علم الكلام،

أحمد بن سليمان (المتوكل) (المتوفى: 566 هـ)

فصل في الكلام فيما خلق الله من النعم

صفحة 254 - الجزء 1

  ومما يوضح ما ذكرنا من جزيل النعم والكرم من اللّه والرحمة: أن كل ما كان لا حياة للناس إلا به أنه كثير ورخيص⁣(⁣١)، من ذلك:

  الطّعام والماء واللبن والصّوف والوبر، وليس كذلك الذهب والفضة والدّر وما كان من جنسه، والمسك والعنبر وما كان من جنسهما، والحرير والخز؛ فلما كانت هذه الأشياء يوجد من دونها ما يغني عنها، وكان عدمها لا يؤدي إلى هلاك الحيوان؛ كانت قليلة غالية، وكان في قلّتها صلاح النّاس. ألا ترى أن من كثرت هذه الأصناف عنده، - أو بعضها - ولم ينفقها في سبيل اللّه أنها تدعوه إلى الأشر والبطر وظلم الناس والبغي في الأرض بغير الحق.

  ولما كانت حاجة الناس إلى الماء أكثر من حاجتهم إلى الطعام جعل اللّه الماء كثيرا وأرخص من الطعام؛ ولأنهم يحتاجونه للتطهر به والغسل والشرب وسقي الأراضي والبهائم، فمن هاهنا جعله اللّه أكثر وأرخص، نعمة منه وتفضلا.

  فإن قيل: لم جعل اللّه الرزق يقل ويكثر ويتيسّر - وحينا يتعسّر - وجعل أكثر الرزق في الضّرب في الأرض والتكسّب والطّلب، والتّجارة والصناعات، والمؤاجرة والحرث، وأصناف الطّلب؛ ولم يجعله سهلا يأكل الإنسان من فوقه ومن تحت رجليه⁣(⁣٢)، وكان يكون أتمّ للنعمة؟


(١) في (ب، ع): كثير رخيص.

(٢) في (ب): ومن تحت رجله.