فصل في الكلام فيما خلق الله من النعم
  قلنا: لو كان ذلك كما تقول(١) لأدّى إلى وجوه من المضار.
  منها أنه كان يؤدي إلى حب الدنيا؛ ولأنه من كان في (مثل)(٢) هذه النعم لم يحب مفارقة الدنيا، واطمأنّ إليها ورضي بها، وقد ذمّ اللّه من رضي بالحياة الدنيا واطمأنّ [إليها]، فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ ٧ أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ}[يونس: ٧ - ٨]، وقد روي عن رسول اللّه ÷ أنه قال: «حبّ الدّنيا رأس كل خطيئة».
  ومنها أنّهم لو كانوا يأكلون من فوقهم وتحتهم(٣) لأدّى ذلك إلى البطر(٤) والأشر والبغي، ولتفرّغوا للفساد؛ وقد قال اللّه تعالى:
  {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ}[الشورى: ٢٧].
  ومنها أنه(٥) لو كانت المعايش كذلك، وكان الإنسان يأكل من حيث توجّه لأدى ذلك إلى البطنة والتّخم، وكان أسرع لهلاك الناس(٦).
  وقد قال بعض أهل الطب: إن إدخال الطعام على الطعام هو الذي أهلك البريّة، وقتل السباع في البرية.
(١) في (ب، ع): كما يقولون. وفي (ص، ل): لو كان ذلك كذلك كما تقولون.
وفي (م): كما يقول.
(٢) ساقط في (أ).
(٣) في (ب، ص): ومن تحت أرجلهم.
(٤) في (ض): إلى كثرة البطر.
(٥) في (ب، ع): أنها.
(٦) في (ب): لهلاك الإنسان.