حقائق المعرفة في علم الكلام،

أحمد بن سليمان (المتوكل) (المتوفى: 566 هـ)

فصل في الكلام فيما خلق الله من النعم

صفحة 255 - الجزء 1

  قلنا: لو كان ذلك كما تقول⁣(⁣١) لأدّى إلى وجوه من المضار.

  منها أنه كان يؤدي إلى حب الدنيا؛ ولأنه من كان في (مثل)⁣(⁣٢) هذه النعم لم يحب مفارقة الدنيا، واطمأنّ إليها ورضي بها، وقد ذمّ اللّه من رضي بالحياة الدنيا واطمأنّ [إليها]، فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ ٧ أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ}⁣[يونس: ٧ - ٨]، وقد روي عن رسول اللّه ÷ أنه قال: «حبّ الدّنيا رأس كل خطيئة».

  ومنها أنّهم لو كانوا يأكلون من فوقهم وتحتهم⁣(⁣٣) لأدّى ذلك إلى البطر⁣(⁣٤) والأشر والبغي، ولتفرّغوا للفساد؛ وقد قال اللّه تعالى:

  {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ}⁣[الشورى: ٢٧].

  ومنها أنه⁣(⁣٥) لو كانت المعايش كذلك، وكان الإنسان يأكل من حيث توجّه لأدى ذلك إلى البطنة والتّخم، وكان أسرع لهلاك الناس⁣(⁣٦).

  وقد قال بعض أهل الطب: إن إدخال الطعام على الطعام هو الذي أهلك البريّة، وقتل السباع في البرية.


(١) في (ب، ع): كما يقولون. وفي (ص، ل): لو كان ذلك كذلك كما تقولون.

وفي (م): كما يقول.

(٢) ساقط في (أ).

(٣) في (ب، ص): ومن تحت أرجلهم.

(٤) في (ض): إلى كثرة البطر.

(٥) في (ب، ع): أنها.

(٦) في (ب): لهلاك الإنسان.