فصل في الكلام فيما خلق الله من النعم
  ومنها أنه لو كان الرزق موجودا بغير سبب لم يكن له في قلوب الناس محبّة كمحبتهم لما يكسبون. والقليل أيضا من المال محبوب، وقد أنزل اللّه على بني إسرائيل المنّ والسّلوى فلم يصبروا عليه، وسألوا موسى # أن يدعو ربّهم أن يبدلهم به ما هو دونه، فقال تعالى - حاكيا قولهم: {وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَ تَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ}[البقرة: ٦١].
  ومنها أن اكتساب الرزق في الدنيا دليل على الآخرة، فكما أنّ الدنيا يحصل الرزق فيها بالاكتساب والطلب، كذلك الآخرة لا تحصل للمكلفين إلا بطلب واكتساب، فصح أن ذلك نعمة من اللّه وحكمة.
  ومما خوّل اللّه الإنسان: الأكنان والبيوت التي يسكنها ويأمن فيها من الخوف والحرّ والبرد والمطر.
  ومما خوّل (الإنسان)(١): اللباس ليستر به سوأته، وليتجمّل به(٢)، والجنن ليتقي بها من البأس، وقد ذكر اللّه هذه النعم فقال: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ ٨٠ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ ٨١ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما
(١) ساقط في (ض).
(٢) في (ص): ولتجمّل به صورته. وفي (ل): ولتتجمّل به صورته.