فصل في الكلام في ما فطر الله عليه العبد
  مما أعطي، ما قدر على عدّها وهي النّفس، وما أحسب أنه يقدر (أن)(١) يعدّ أنفاسه يوما وليلة، وإذا لم يقدر على ذلك، كيف يقدر على عدّ أنفاس عمره، وإذا لم يقدر على عد أنفاسه، وهي نعمة واحدة فكيف يعد النعم كلها، قال اللّه تعالى: {وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ}[النحل: ٥٣].
  ومما أنعم اللّه به على المكلف: الكتاب والرسول، قال اللّه تعالى:
  {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[آل عمران: ١٦٤]، وقال تعالى: {ألم ١ تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ ٢ هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ}[لقمان: ١ - ٣].
فصل في الكلام في ما فطر اللّه عليه العبد
  اعلم أن اللّه (قد)(٢) فطر الحيوان (كله)(٣) على استجلاب المنافع العاجلة، والنّفار عن المضار العاجلة، وفطر بعض الحيوان على الحاجة إلى الأكل والشرب والنوم والجماع. وجعل للحيوان آلة يبلغ بها الأشياء رحمة منه ونعمة؛ وجعل ذلك سببا لحياته - وهي أفعال الحيوان - وليس للّه فيها فعل غير الإلهام، والاستطاعة التي أعطاه على فعل هذه الأشياء، والحاجة الداعية إلى فعل الأشياء إلا النوم
(١) ساقط في (ع، ل، م).
(٢) ساقط في (ج، ل).
(٣) ساقط في (ج، ل).