حقائق المعرفة في علم الكلام،

أحمد بن سليمان (المتوكل) (المتوفى: 566 هـ)

فصل في الكلام في الآجال

صفحة 334 - الجزء 1

  والرد عليهم: أن اللّه تعالى نهى عن قتل النفس التي حرم اللّه فقال تعالى: {مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً}⁣[المائدة: ٣٢] فلم يكن اللّه ليحرّم قتل النفس⁣(⁣١) ويأذن به، ولا كان يعذّب القاتل على فعل غيره. وقوله: {وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} المراد به: من منعها من القتل وصرف ظلم الظالم عنها. ولو كان من يقتل لو سلم من القتل لمات في ذلك الوقت، لكان من يذبح بهيمة غيره مأجورا غير مأزور، ولم يحكم عليه لصاحبها بشيء لأنه لو تركها لماتت، فكانت ميتة، فكأنه قد أحسن إلى صاحبها، وكذلك القاتل لا يجب عليه قود ولا دية في جرح من قد أذن اللّه بموته؛ ولو كان ذلك كذلك لكان خارجا من الحكمة⁣(⁣٢) أن ينهى اللّه عن شيء ويأذن به، ويعذب عليه من فعله.

  وأما قوله تعالى: {وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا}⁣[آل عمران: ١٤٥] فإن الموت غير القتل، قال اللّه تعالى: {وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ}⁣[آل عمران: ١٤٤] فصحّ أن الموت فعل اللّه، والقتل فعل القاتل⁣(⁣٣).

  وقوله: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ}⁣[الأعراف: ٣٤] يريد: أجل الموت الذي هو غير القتل.

  وقوله تعالى: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ}⁣[آل عمران: ١٥٤] المراد بالكتاب هاهنا العلم، يقول: لبرز الذين


(١) في (ع، ل، ي): قتل نفس.

(٢) في (ج، ل، ي): عن الحكمة.

(٣) في (ص، ش): فعل الفاعل.