فصل في الكلام في الآجال
  علم اللّه أنهم يقتلون إلى مضاجعهم، وعلم اللّه سابق غير سائق.
  وذهبت المطرفية إلى أن الآجال ليست من اللّه، إلا أجل من بلغ مائة وعشرين سنة، فمن بلغ مائة وعشرين سنة ومات، فاللّه أماته، ومن مات قبل ذلك فلم يرد اللّه موته(١) وإنما ذلك بتعدي من تعدّى وظلم [من ظلم](٢)، وبأسباب وأعراض وأمراض ليست من اللّه ولا قصدها، ولا قصد موت الميت، إلا إذا بلغ الحد الذي ذكروه وقالوا: هو العمر الطبيعي، واحتجّوا بقول اللّه تعالى: {وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات: ٥٦]. وقالوا: إن اللّه تعالى ساوى بين الناس في ستة أشياء: في الخلق والرزق، والموت والحياة، والتعبّد والمجازاة. وهذا منهم غلط عظيم، وخطأ من القول وخيم.
  أما قولهم: إن اللّه تعالى ساوى بين [الناس في](٣) الخلق، فليس الذّكر كالأنثى، ولا الكامل كالناقص، ولا الفصيح كالأعجم، ولا الصّبيح كالقبيح، ولا الأبيض كالأسود، ولا العربي كالزّنجي، ولا الشريف كالوضيع، ولا المالك كالمملوك؛ وهذا مشاهد بيّن لا ينكره عاقل، ولا يماري فيه إلا جاهل، وقد قال اللّه تعالى:
  {أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}[الزخرف: ٣٢]، فبيّن أنه رفع بعضهم فوق بعض درجات،
(١) في (ع): فاللّه لم يرد موته.
(٢) زيادة في (ع).
(٣) زيادة في (ص، ع).