فصل في الكلام في الآجال
  ولا تضييع لنفسه، مثل من تأكله الحيّة في حرزه، ومثل من تصيبه برقة في منزله، ومثل موت النفساء على أولادها(١)، فإذا كان هؤلاء وأمثالهم لم يجنوا على أنفسهم، ولا جنى عليهم آدميّ، ولا كان موتهم من قبل اللّه، فمن فاعل موتهم؟ فإذا لم يكن من اللّه بليّة يجزي الميت بها، ولم يكن من متعدّ عليه فيجب عليه القود، ولا من مخط عليه فتجب الدية، فهل يكون إلا مهملا مضيعا مصابه في الدنيا والآخرة؟
  وإن قالوا: إن كل من أصيب بالموت قبل هذا الحد فإن مصابه من قبل تعدّي من يتعدّ عليه، أو تفريطه في نفسه؟ قلنا: الطفل(٢) إذا أصيب بمصيبة الموت، ولم يكن من أحد تعدّ عليه ولا تعدّى على نفسه؟!
  فإن قالوا: مصابه بتعد وتفريط من وليه. قلنا: فلا يكون المتعدي عليه إلا مأثوما، وإذا كان كذلك كان مصابا بمصيبتين: إحداهما موت ولده، والأخرى: الإثم في تفريطه فيه وترك منعه للموت عنه، وهذا ما لا يقول به أحد غير هذه الفرقة، وقد روي أن إبراهيم ابن رسول اللّه ÷ مات وهو ابن ستة عشر شهرا فإلى من ينسبون موته؟
  وقد قال اللّه تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}[غافر: ٦٧]، وقال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ
(١) في (ش): عن أولادها. وفي (ب): عن ولدها. وفي (ج): على ولدها. وفي (ص): على ولادتها. وفي (ل، م): عند ولادتها.
(٢) في (ب، ت، ص، ع): فالطفل.