حقائق المعرفة في علم الكلام،

أحمد بن سليمان (المتوكل) (المتوفى: 566 هـ)

فصل في الكلام في الآجال

صفحة 341 - الجزء 1

  ولا يموت الناس معا كصريم الزرع بل يأخذهم الموت شيئا شيئا⁣(⁣١) على مهل، وكذلك ولادة من يولد منهم، فلا هم باقون ولا هم منقطعون، فمثلهم كمثل قوم يدخلون دارا مفترقين ويخرجون منها مفترقين، والدار هي الدنيا، ومنهم من يقيم فيها كثيرا، ومنهم من يقيم فيها قليلا، فهل هذا إلا بتقدير من اللّه تعالى⁣(⁣٢).

  واعلم أن اعتقاد هذه الفرقة يؤدي إلى جحدان النعمة والبلية، وضياع الشكر والصبر والأجر، وذلك في طفل يختار اللّه له ما لديه ويخلصه من بلاء الدنيا والآخرة، وينعم عليه، ويبتلي بموته والديه، فيجهلان ذلك القضاء، ويجانبان الصبر عليه والرضا ويبديان السخط منه والشكى، ولا يظنّان أنه من اللّه نعمة على الطفل، وبلية لهما، فإذا كان ذلك كذلك كانا قد جحدا النعمة والبلية، وتركا الشكر والصبر، وضيّعا الأجر.

  واعلم أن هذه الفرقة تكابر في أشياء من المسائل بغير حجّة ولا برهان من كتاب ولا سنّة.

  وأما ما احتجوا به من قول اللّه تعالى: {وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}⁣[الذاريات: ٥٦]، فالمراد به المتعبّدون منهم كما قال تعالى:

  {وَالْعَصْرِ ١ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ ٢ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ}⁣[العصر: ١ - ٣]، والأطفال من الناس لم يؤمنوا⁣(⁣٣) ولا عملوا الصالحات⁣(⁣٤) فلما لم يستثنهم من الخسر (ولم يكونوا ممن استثنى)⁣(⁣٥) علمنا أن الآية


(١) في (س): شيئا فشيئا.

(٢) في (ب، ت): إلا بقدر من اللّه تعالى. وفي (ص): إلا تقدير اللّه تعالى.

(٣) في (أ): ولم يؤمنوا. وفي (ص): فلم يؤمنوا.

(٤) في (ب، ص): ولا عملوا صالحا.

(٥) ساقط في (س، ل، م).