حقائق المعرفة في علم الكلام،

أحمد بن سليمان (المتوكل) (المتوفى: 566 هـ)

فصل في الكلام في الميزان

صفحة 358 - الجزء 1

  واعلم أن هذا المثل بالوزن، والميزان يدل على أنه لا يكاد يوجد من الناس من تكون أعماله حسنات كلها ولا سيئة له؛ لأن في الشاهد أنه لا يجعل في أحد كفتي الميزان شيء والأخرى معطلة لا شيء فيها، ولا يصح الوزن إلا أن يكون في كل واحدة من كفتي الميزان شيء، قليلا كان أو كثيرا، ولا يعقل وزن شيء إلا بشيء، فثبت أن الإنسان المكلّف لا يخلو من سيئة.

  واعلم أن كل عامل⁣(⁣١) مسؤول عن عمله - المطيع والعاصي - ومحاسب على فعله⁣(⁣٢)، قال اللّه تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ ٧ فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً}⁣[الانشقاق: ٧ - ٨] فدلّ على أنه لا بدّ من الحساب والمسألة⁣(⁣٣)، قال اللّه تعالى: {ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}⁣[التكاثر: ٨]، وقال تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ}⁣[الصافات: ٢٤]، وهذا السؤال، سؤال تقرير وتوبيخ، وقول اللّه تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ}⁣[الرحمن: ٣٩] يريد: أنه لا يسأل سؤال جهل واستفهام، بل سؤال تقرير وتوبيخ، ويؤيد ذلك قول اللّه: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها}⁣[النحل: ١١١]، وقوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ٣٨ إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ ٣٩ فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ ٤٠ عَنِ الْمُجْرِمِينَ ٤١ ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ ٤٢ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ...} الآيات [المدثر: ٣٨ - ٤٣]، وأصحاب اليمين الذين استثناهم اللّه الأطفال؛ ويدل على ذلك سؤالهم للمجرمين عمّا أدخلهم النار؛


(١) في (ش): أن كل عاقل عامل. وفي (ع): أن كل عاقل.

(٢) في (ص): ويحاسب عليه.

(٣) في (ض): والمساءلة.