حقائق المعرفة في علم الكلام،

أحمد بن سليمان (المتوكل) (المتوفى: 566 هـ)

فصل في الكلام في الميزان

صفحة 357 - الجزء 1

  وعندنا وعند المعتزلة أن الأعمال لا توزن بالميزان المعقول؛ لأن الأعمال أعراض، والأعراض لا تقوم بأنفسها، ولا يوزن في الشاهد إلا الأجسام، والميزان عندنا هو الحق والقسط قال اللّه تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ}⁣[الأعراف: ٨]، وقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ}⁣[الشورى: ١٧]، وقال تعالى: {وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ ٧ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ ٨ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ}⁣[الرحمن: ٧ - ٩] فصح أن الميزان هو الحق، والوزن هو الحكم بالحقّ، وإنما جعل اللّه ذكر الميزان مثلا. فمثّل الحكم بالحق كوزن الأجسام بالميزان المعروف.

  واعلم أن معنى هذا المثل: أن من كانت له حسنة وسيئة أن الحسنة في المثل بعشر وزنات بالميزان، والسّيئة بوزنة واحدة؛ فعلى هذا يكون الرّجحان للعشر، وهذا إذا كان الخاتمة⁣(⁣١) من الأعمال صالحة.

  ويدل على صحة ما ذكرنا قول اللّه تعالى: {إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ}⁣[هود: ١١٤] وهذا هو المراد بقوله تعالى: {مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها}⁣[الأنعام: ١٦٠] وليس المراد به أنه إذا أطعم مسكينا خبزة أنه يطعم عشر خباز، ولا إذا كسى عاريا مستحقا ثوبا أنه كسى⁣(⁣٢) عشرة ثياب، ولو كان ذلك كذلك لأدّى [ذلك]⁣(⁣٣) إلى الانقطاع والفناء.


(١) في (ص): إن كانت الخاتمة.

(٢) في (ع، ص): أنه يكسى.

(٣) زيادة في (ط، م، ع).