فصل في الكلام في الميزان
  وعندنا وعند المعتزلة أن الأعمال لا توزن بالميزان المعقول؛ لأن الأعمال أعراض، والأعراض لا تقوم بأنفسها، ولا يوزن في الشاهد إلا الأجسام، والميزان عندنا هو الحق والقسط قال اللّه تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ}[الأعراف: ٨]، وقال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ}[الشورى: ١٧]، وقال تعالى: {وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ ٧ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ ٨ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ}[الرحمن: ٧ - ٩] فصح أن الميزان هو الحق، والوزن هو الحكم بالحقّ، وإنما جعل اللّه ذكر الميزان مثلا. فمثّل الحكم بالحق كوزن الأجسام بالميزان المعروف.
  واعلم أن معنى هذا المثل: أن من كانت له حسنة وسيئة أن الحسنة في المثل بعشر وزنات بالميزان، والسّيئة بوزنة واحدة؛ فعلى هذا يكون الرّجحان للعشر، وهذا إذا كان الخاتمة(١) من الأعمال صالحة.
  ويدل على صحة ما ذكرنا قول اللّه تعالى: {إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ}[هود: ١١٤] وهذا هو المراد بقوله تعالى: {مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها}[الأنعام: ١٦٠] وليس المراد به أنه إذا أطعم مسكينا خبزة أنه يطعم عشر خباز، ولا إذا كسى عاريا مستحقا ثوبا أنه كسى(٢) عشرة ثياب، ولو كان ذلك كذلك لأدّى [ذلك](٣) إلى الانقطاع والفناء.
(١) في (ص): إن كانت الخاتمة.
(٢) في (ع، ص): أنه يكسى.
(٣) زيادة في (ط، م، ع).