فصل في الكلام في الميزان
  وروي النهي عن الإغراء بين البهائم. وروي أن رسول اللّه ÷ رأى حمارا موسوما في وجهه فلعن من وسمه. فدل ذلك على أنها تألم، وذلك بيّن مشاهد(١)، فصح أن اللّه تعالى يعيضها بما سخّرها للناس وذللها لهم وملّكهم إياها، ولو لم يعضها بذلك لكان ذلك ظلما لها - تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا.
  وقد صح بنص القرآن وبالإجماع أن جميع الحيوان يحيا يوم القيامة ويحشر، قال اللّه تعالى: {وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ}[الأنعام: ٣٨].
  فإذا كانت تحشر بلا شك فلا بد لها بعد حشرها من أحد ثلاثة وجوه: إما أن تدخل النار. أو الجنة، أو تمات وتفنى.
  فإن قيل: إنها تمات. فلأيّ شيء حشرت ثم أميتت وأفنيت؟ فلو كان ذلك كذلك لكان عبثا إحياؤها يوم القيامة وإماتتها. فصحّ أن الآخرة هي دار الحيوان، وأنه لا يذوق أحد موتا بعد الحشر والنشور.
  وإن قيل: تدخل النار. فما ذنبها الذي تدخل به النار؟ وهذا ما لا يعقل(٢) ولا يقول به أحد، ولم يبق(٣) إلا إدخال اللّه لها الجنة، وفي رحمة اللّه ما يسعها - الذي وسعت رحمته كل شيء - وقد قال تعالى:
  {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها}[النحل: ١١١] والبهائم من ذوات
(١) في (ص): بيّن في الشاهد.
(٢) في (ع، ش): مما لا يعقل.
(٣) في (ش): فلم يبق.