فصل في الكلام في الصراط
  أبدل وبيّن، ولقال: اهدنا الصراط، ولم يقل: المستقيم، ولا قال(١):
  {صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}، فلما قال: {اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ} علم السامع أن ثمّ صراطا غير مستقيم، ثم زاد بيانا، فقال: {صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} وهذا يسمّى بدل البيان، فبيّن بيانا ثانيا أن [ثم](٢) لغير هؤلاء صراطا.
  ومما يوضح ما ذكرنا في البدل أنّك إذا قلت لرجل: (أدع الرجل زيد بن عمرو) أن هذا البدل يكون بيانا؛ لأنك لو قلت: (أدع الرجل)، لأشكل على المأمور من الرجل؟ لأن الرجال كثير، فلمّا قلت (زيد بن عمرو) بيّنت له ففهم قولك(٣) فصحّ ما قلنا.
  وقول اللّه تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} دليل على أن اللّه قد أنعم عليهم فاستثناهم من الذين هداهم الصراط المستقيم؛ ولأنه من شرط الاستثناء أنه(٤) لولا هو لدخل المستثنى في جملة من استثني منه(٥)، فلو لم ينعم على المغضوب عليهم والضالين لما استثناهم ولأجزأ قوله: {صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} ولم يقل: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} فصح ما قلنا.
  وقال تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ٥٢ صِراطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ}[الشورى: ٥٢ - ٥٣]، وقال تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ
(١) في (أ): ولقال.
(٢) زيادة في (أ).
(٣) في (أ): وبينات له فهم قولك.
(٤) في (س): وأنه.
(٥) في (س، ي): في جملة المستثنى منه.