حقائق المعرفة في علم الكلام،

أحمد بن سليمان (المتوكل) (المتوفى: 566 هـ)

فصل في الكلام في معاني القرآن

صفحة 389 - الجزء 1

  وهو مردود إلى المحكم، قال اللّه تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ}⁣[آل عمران: ٧]، فبيّن اللّه تعالى أن الكتاب، منه المحكم والمتشابه⁣(⁣١)، وأخبر أن المحكم هو الأصل المعمول عليه؛ لأن أمّ الشيء أصله، ولذلك سميّت والدة الإنسان [له]⁣(⁣٢) أمّا، وقد قال اللّه تعالى: {لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها}⁣[الأنعام: ٩٢] يعني مكة لأنها أصل القرى؛ لأن جميع القرى تفرّعت منها؛ ويؤيد ذلك قول اللّه تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً}⁣[آل عمران: ٩٦]، فصح أن المحكم أصل الكتاب، وأنه المعمول عليه. ثم ذمّ من يتبع المتشابه فقال: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ}⁣[آل عمران: ٧] يريد بالفتنة: المجادلة للحق ولأهله.

  والاستدلال بالمتشابه⁣(⁣٣) كقول اللّه تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ ٢٢ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ}⁣[القيامة: ٢٢ - ٢٣]، وقوله: {أَ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ}⁣[الملك: ١٦]، وقوله:

  {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ}⁣[البقرة: ٢١٠]، وقوله:

  {وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}⁣[الفجر: ٢٢]، وقوله علا وعزّ: {الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى}⁣[طه: ٥]، وقوله: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ}⁣[الحاقة: ١٧]، وقوله: {يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ}⁣[النحل: ٩٣]،


(١) في (ع، ل، م): والمتشابه منه.

(٢) زيادة في (س، ي، م).

(٣) في (ص): والاستدلال بمتشابهه.