فصل في الكلام في الناسخ والمنسوخ
  ومما نسخ قول اللّه تعالى: {لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ}[البقرة: ٢٥٦]، وقوله:
  {وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ}[ق: ٤٥]، وقوله: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ}[الغاشية: ٢٢]، وقوله: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ}[المائدة: ١٣]، فكانت هذه الآيات وما شاكلها نزلت على النبيء ÷ قبل الهجرة، فلما هاجر أمره اللّه بالجهاد، ونسخ الآيات هذه بقوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ٣٩ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}[الحج: ٣٩ - ٤٠]، وبقوله: {قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ}[التوبة: ٢٩]، وقوله:
  {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ}[التوبة: ٧٣].
  ومما نسخ قول اللّه تعالى: {وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً}[التوبة: ١٢٢] نسخها اللّه بقوله: {انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا}[التوبة: ٤١].
  واعلم أن سورة براءة نسخت كل عقد - كان بين المؤمنين والمحاربين - وذمّة، وصلح، وشرط، ونسخت الصّلح الذي كان في الأشهر الحرم، وفي مكة لقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}[التوبة: ٥] إلا ما استثنى اللّه فيها من قوله: {إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}[التوبة: ٤].
  ومما نسخ قول اللّه تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا}[الأنفال: ٧٢] نسخه اللّه بقوله: {وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ}[الأنفال: ٧٥].