فصل في الكلام في الناسخ والمنسوخ
  ولا يعمل بهما أحد بعدي: لما أنزل اللّه: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[المجادلة: ١٢] كان معي دينار فصرفته، فكنت كلما أردت أن أناجي رسول اللّه ÷ تصدّقت بدرهم، فلم يفرغ الدينار حتى نسخت الآية الكريمة).
  فنسخها اللّه بقوله: {أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ}[المجادلة: ١٣].
  ومما نسخ قول اللّه تعالى: {يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ١ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ٢ نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا ٣ أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}[المزمل: ١ - ٤].
  وروي أن أول هذه السورة نزل على النبيء ÷ بمكة، وأنه أمر من اللّه تعالى بتأخير صلاة العشاء الآخرة، فعمل به رسول اللّه ÷، والمؤمنون إلى أن نزل آخر السورة في المدينة بعد ستة أشهر، فنسخ اللّه ذلك بقوله: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ...} إلى آخر السورة [المزمل: ٢٠].
  ومما نسخ قول اللّه تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً}[النساء: ١٨]، نسخها اللّه بقوله: {قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ٥٣