فصل في الكلام في الناسخ والمنسوخ
  وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما} فإن قول اللّه تعالى: {قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ} وهذا تحريم عامّ، وتشديد، وتغليظ، واللّه لا ينقض ما أكّد، ولا يحل ما حرّم.
  وقوله: {وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ} ليس المراد به منافع للناس فيهما، ولا [في](١) ثمن الخمر وإنما المراد بالمنافع هاهنا أن الجلد الذي يكون على فاعلهما هو المنافع للناس؛ لأن شارب الخمر إذا جلد ازدجر هو وغيره، فكان جلده نافعا للناس كما قال اللّه تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ}[البقرة: ١٧٩]، وقد روي عن رسول اللّه ÷ أنه قال: «إن اللّه لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم» فصح ما قلنا.
  ومن غامض الكتاب قول اللّه تعالى: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا}[الإسراء: ١١٠]، وقد استدلت الباطنية - لعنهم اللّه - بهذه الآية على إبطال القرآن وإظهار عيبه، وقالوا: هو ينقض بعضه بعضا، وإذا كان يتناقض كان باطلا، وقالوا: قوله: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها} يوجب ترك الصلاة؛ لأنه بزعمهم لا يمكنه أن يصلي بغير جهر ولا مخافتة.
  فنقول: ليس هذا الأمر بمتناقض وإنما أمره أن لا يجهر بكل الصلاة، ولا يخافت بكلها(٢)، وأمره بأن يبتغي(٣) بين ذلك سبيلا، وقد ابتغى ÷ بين ذلك سبيلا، وهو أنه جهر بالقرآن في صلاة الليل
(١) زيادة في (ب، ت، ع، ص، م، ش، ط).
(٢) في (ص): ألا يجهر بصلاته كلها، ولا يخافت بها كلها.
(٣) في (ص، ع): أن يبتغي.