فصل في الكلام في خطايا الأنبياء $
  وظهر صدقه ووفاؤه وطهارته ونقاؤه(١) أنه لا يجوز أن يرسله اللّه إلى قوم، بل نقول: إنه قد يمكن ويجوز ذلك؛ لأنه قد خرج من جملة الظالمين، وأهل الظّنّة والمتّهمين. ألا ترى أن الشاهد الفاسق إذا تاب من فسقه عند أداء الشهادة أنه لا يقبل منه، ويكون من أهل الظنة، وإذا تاب قبل ذلك بزمان طويل أنه تقبل شهادته، ولا يظن فيه كذب ولا شهادة زور.
  والدليل على ما قلنا: ما كان من قصة أولاد يعقوب # من عقوق أبيهم وظلم أخيهم، ثم تابوا من ذلك وسألوا أباهم أن يستغفر لهم فغفر اللّه لهم، ثم كانوا أنبياء بعد ذلك، وقد ذكرهم اللّه في جملة الأنبياء قال تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}[البقرة: ١٣٦]، وفي تفسير ابن عباس(٢): أن الأسباط هم أولاد يعقوب، وأنهم أنبياء، وهو إجماع الأمة، ولم يخالف أيضا اليهود في أن الأسباط هم أولاد يعقوب، وأنّهم أنبياء.
  والدليل على صحة ما ذكرنا قول اللّه تعالى لموسى #: {وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ١٠ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ}[النمل: ١٠ - ١١] فصحّ ما قلنا، وقول اللّه: {لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}[البقرة: ١٢٤]، فليس التائب المخلص بظالم.
(١) في (ض): وتقاه.
(٢) في (ع): عن ابن عباس.