حقائق المعرفة في علم الكلام،

أحمد بن سليمان (المتوكل) (المتوفى: 566 هـ)

فصل في الكلام في وجوب النظر والاستدلال

صفحة 65 - الجزء 1

فصل في الكلام في وجوب النظر والاستدلال⁣(⁣١)

  اعلم أن العقل يحكم بأن العلم حسن وأن الجهل قبيح، ويحكم أنه يجب على العاقل أن ينظر ويميّز إذ قد أعطي آلة النظر والتمييز، ويحكم أنه إن لم ينظر ويميز لم يبلغ إلى استجلاب منفعة، ولا دفع مضرّة، ولا يبلغ إلى إصلاح دين ولا دنيا.

  واعلم أن العقل هو أصلح الحجج؛ والكتاب والسّنّة تأكيد له، والدليل على ذلك، أن الكتاب والسنة ما عرفا إلا بالعقل.

  ومما يدل على وجوب النظر أن العلم بحقائق الأشياء لا يتأتّى إلا من وجهين: وهما: التقليد والنظر. والتقليد لا يعمل به⁣(⁣٢) في الأصول؛ لأن المحقّ ليس بأولى من المبطل في أن يقلّد.

  ويؤيد ذلك ما روي عن حذيفة بن اليمان أنه قال: قال رسول اللّه ÷: «لا تكونوا إمّعة⁣(⁣٣) تقولون: إن أحسن الناس أحسنّا، وإن أساءوا أسأنا، ولكن وطّنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا» فبان فساد التقليد، ولم يبق إلا النظر المؤدّي إلى الصواب.

  ويدلّ أيضا على وجوب النظر قول رسول اللّه ÷: «ستفترق أمّتي


(١) في (ب): فصل في وجوب النظر والاستدلال.

(٢) في (ش): لا يعمل عليه.

(٣) الإمّعة: هو الذي لا رأي معه ولا تدبير، وهو بكسر الهمزة. تمت.