فصل في الكلام في الأنوار واختلاف الليل والنهار
  وسعتها وبهائها، وما فيها من النّيّرات - التي ملأ ضياؤها ما بين الأرضين والسّماوات - من الشّمس والقمر والنّجوم المختلفات، فإذا فيها من عجيب الصنعة(١)، وبديع الحكمة، ما لا يقدر مخلوق على وصف عشير عشره، لكن معرفة قليلة تجزئ عن معرفة كثيرة.
  ومن ذلك أن الشمس قريب نفعها، بعيد ضرّها، فإنها لمّا قدّرت وجعلت سراجا - لمن في السماوات ومن في الأرض وما بينهما - وهّاجا جعلت بعيدة المكان، لسلامة الأجساد منها والأعيان، ولدفع ضررها عن الأشجار والمياه والحيوان، ولو كانت قريبة منها لأتلف شعاعها الأبصار(٢)، ولأحرق لهيبها الأجساد والأشجار، ولأزال برد الماء وأيبس الأنهار. وقدّرت تطلع حينا وتغرب حينا لدفع هذه المضار، وإصلاح(٣) الحيوان والأشجار، وليستريح ويسكن بعد مغيبها أهل الحرص في العمل والإكثار، وجعل القمر، وفيه بعض الضّياء لمن أراد السّرى بالليل لبعض الأسباب، وليهتدى به عدد السنين والحساب(٤).
  وجعلت النّجوم إذا غابت الشّمس والقمر تسدّ مسدّا لمن احتاج إلى الذّهاب، وليهتدي بها في البر والبحر أهل الاغتراب، وجعلت البروج الاثنا عشر مقدّرة، لا يختلف سيرها، ولا يجتمع مفترقها، ولا يفترق مجتمعها، وجعلت الشّمس تقطع البروج في سنة(٥) من الحمل
(١) في (ش): من عجائب الصنعة.
(٢) في (ش): لأتلف لهبها الأبصار.
(٣) في (ت، ج، ل): وصلاح.
(٤) في (ض): إلى عدد السنين والحساب. وفي (ن): في عدد السنين والحساب.
(٥) في (ش): في كل ستة.