فصل في الاختيار والكسب
  قال في (فيض الرحمن على شعب الإيمان): والحاصل: أن أهل السنة تبعوا النصوص الشرعية فأسندوا الخلق لله في أفعال العبد الاختيارية وأثبتوا لهم الاختيار فيها والكسب، إلا أنهم اختلفوا في الكسب، فعند الماتريدية: هو تعلق القدرة الحادثة بالمقدور وأثرها وصف الفعل بكونه طاعة أو معصية مثلاً.
  والأشعرية قالوا: الكسب عبارة عن مقارنة قدرة العبد للفعل في كونهما مخلوقين معاً ولا دخل للعبد في الفعل سوى كونه محلاً.
  والجبرية نفوا الاختيار والكسب.
  والمعتزلة نسبوا خلق أفعال العباد الاختيارية إليهم بقدرة خلقها الله تعالى فيهم. ا ه.
  فانظر إلى نصوصهم نقلناها من كتبهم المعتمدة.
  أقول: وعلى كل ذلك الهذيان الذي لا يعقله أكثر النحارير، فجوابنا إن كان القدرة من الله للعبد موجبة انتفاء المشارك؛ لأنه الموجب مستقل بالتأثير وغيره طرد في المؤثر، وبذلك يبطل مقدور بين قادرين.
  فإن قالوا: الكسب غير الفعل الواجب عن القدرة؛ لأن الفعل كون وهو ذات كالجوهر، ولا يقدر على الذوات غير الله تعالى.
  قلنا: بل صفة مقدورة للعبد وإلا لم يتحقق الكسب إن كان الفعل ذاتاً مع أنه لا يمتنع خلق الذات على من أقدره الله كما صرح بذلك الجويني، وأبو إسحاق، ولأن الكسب إن كان أمراً اعتبره العبد في فعل الرب من طاعة أو معصية أو نحو ذلك لم يصح تعلق