[الولاية والإمامة]
  «اتقوا أبواب السلاطين ...»(١) الحديث، وغير ذلك من روايات الفريقين، على أنا لو سلمنا جواز مداخلتهم لما منع من تهمتهم فيما رووا وأن رواياتهم على حدتهم لا تقبل - رجع.
  فأما الزهري وشأنه فقد روى الغزالي في (الإحياء) قال: لما خالط الزهري السلطان كتب أخ له في الدين إليه: عافانا الله وإياك يا أبا بكر من الفتن، فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك أن يدع الله لك ويرحمك، أصبحت شيخاً كبيراً وقد أثقلتك نعم الله عليك بما فهمك من كتابه وعلمك من سنة نبيه، وليس كذلك أخذ الله الميثاق على العلماء فإنه تعالى قال: {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ}[آل عمران: ١٨٧]، واعلم أن أيسر ما ارتكبت وأخف ما احتملت أنك آنست وحشة الظالمين، وسهلت سبيل الغي بدنوك إلى من لم يؤد حقاً ولم يترك باطلاً حين أدناك، اتخذوك أبا بكر قطباً تدور عليه رحى ظلمهم، وجسراً يعبرون عليه إلى بلائهم ومعاصيهم، وسلماً يصعدون فيه إلى ضلالتهم، يدخلون بك الشك على العلماء، ويقتادون بك قلوب الجهلاء، فما أيسر ما عمروا بك في جنب ما خربوا عليك، وما أكثر ما أخذوا منك في جنب ما أفسدوا من حالك ودينك، وما يؤمنك أن تكون ممن قال الله تعالى [فيهم]: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}[مريم: ٥٩]، يا أبا بكر، إنك تعامل من لا يجهل، ويحفظ عليك من لا يغفل فداو دينك فقد دخله سقم، وهيء زادك فقد حضر سفر بعيد، وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء. والسلام. ا ه.
  إذا عرفت ما تضمن هذا المكتوب ظهر لك كيفية مخالطة الزهري للظلمة، وأنه في غاية
(١) الإكمال لابن ماكولا ٤/ ٢٤٤.