العلم الواصم في الرد على هفوات الروض الباسم،

أحمد بن الحسن القاسمي (المتوفى: 1375 هـ)

البحث الثاني في الهداية

صفحة 306 - الجزء 1

  أن يقال لم يهدى ولم يعلم اعتباراً بعدم القبول، وصح أن يقال: هدى وعلم اعتبار بدعائه وبذله وتمكينه فإذا كان كذلك صح أن يقال: إن الله لم يهدي الكافرين والفاسقين والظالمين من حيث أنه لم يحصل القبول الذي هو تمام الهداية والتعليم وصح أن يقال هداهم وعلمهم من حيث أنه حصل البذل والتعليم والتمكين التي هي مبدأ الهداية، فعلى الاعتبار بالأول يصح أن يحمل قوله تعالى: {وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} وما في معناها، وعلى الثاني قوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} والأولى حيث لم يحصل القبول المفيد فيقال: هداه الله فلم يهتد كقوله: {وَأَمَّا ثَمُود ...}⁣(⁣١) سوى، وقوله: {لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاء}، وقوله: {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} فهم الذين قبلوا هداه واهتدوا به، وقوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيم} أما تعبد بطلب الحاصل أو بمعنى التوفيق والقبول وقيل: دعاء بالحفظ عن غواية الغواة، والهدى والهداية في موضوع اللغة واحد لكن خص الله لفظة الهدى بمن تولاه وأعطاه واختص هو به دون ما هو إلى الإنسان نحو: {هُدًى لِلْمُتَّقِين}⁣[البقرة: ٢]، {أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِم}⁣[البقرة: ٥]، {وَهُدًى لِلنَّاس}⁣[الأنعام: ٩١]، {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ}⁣[البقرة: ٣٨]، فلأن {هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى}، {وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِين}، {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى}⁣[الأنعام: ٣٥]، {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ}⁣[النحل: ٣٧]، {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى}⁣[البقرة: ١٧٥]،


(١) تمام الآية: {فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى}.