البحث الثالث في الخلق وما يتصل بذلك
  ألا ترى أن جعل العبد من أهل السنة مؤثراً في الذات بإعانة الله تعالى لا يسميه خالقاً بإعانة الله ما ذلك إلا لأن هذه الذات هي الأكوان وكونها ذوات غير صحيح في لغة العرب وفي النظر الصحيح عند محققي أهل المعقول وتسمية الأشعرية لها خلقاً لله تعالى لم يصح لغة، يوضحه أن إمام الحرمين الجويني، والشيخ أبا إسحاق ومن تابعهما من أهل السنة، لم يسموا العبد خالقاً مع أنهم يقولون إن قدرته هي التي أثرت في ذات فعله وحدها بتمكين الله تعالى ومشيئته من غير زيادة مشاركة بينه وبين قدرة الله تعالى في تلك الذات التي هي فعله وكسبه، فثبت أن الله خالق كل شيء مخلوق في لغة العرب التي نزل عليها القرآن، ولم يكن أحد منهم يقول خلقت قياماً ولا كلاما، ولا صلاة ولا صياماً ونحو ذلك، ولذلك ورد الوعيد للمصورين المشبهين بخلق الله تعالى، فلو كانت أفعالنا خلق الله لم يحرم علينا التشبيه بخلق الله تعالى، وكذلك لعن الواشمات المغيرات خلق الله تعالى، ولا شك في جواز تغييرنا لكثير من أفعالنا ووجوب ذلك في كثير منها، وكذلك قال الله تعالى بعد ذكر مخلوقاته من الأجسام وتصويرها وسائر ما لا يقدر العباد عليه من الأعراض: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ}[لقمان: ١١] وإنما يعرف الخلق في اللغة لإيجاد الأجسام ويدل على ما ذكرته ما حكاه الله تعالى وذم الشيطان به من قوله: {وَلاَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}[النساء: ١١٩] فدل على أن التغيير الذي هو فعلهم ليس هو خلق الله تعالى، بل هو مغاير له، ولذلك نظائر كثيرة ذكرتها في (العواصم). ا ه.
  وأما كون أفعالنا ذوات وأنه لا يقدر على إيجاد الذوات إلا الله تعالى، الجواب من وجهين: