البحث الثالث في الخلق وما يتصل بذلك
  الأول: أوضحها، وهو أنهم لا يقولون بذلك بل يقولون أن أفعالنا هي الوجوه والاعتبارات والأحوال المتعلقة بتلك الذوات وذلك هو معنى الكسب عندهم.
  والثاني: أنا منازعون في أن الأكوان التي هي الحركة والسكون والاجتماع والافتراق ذوات بل هي صفات أو أحوال كما ذهبت إليه الجماهير وأهل التحقيق، كابن تيمية وأصحابه منهم، وأبو الحسين وأتباعه، ومن لا يحصى من سائر الطوائف، مع أنا لا نسلم لهم أنه لا يقدر على إيجاد الذوات غير الله، بل قد خالفهم في ذلك الجويني، وأبو إسحاق ومن تابعهما فقالوا: إنه يقدر على ذلك من أقدره الله تعالى ومكنه منه وأراده.
  قلت: ويقرب من ذلك خلق عيسى # الطير وقول جبريل # لمريم: {لأَهَبَ لَكِ غُلاَمًا زَكِيًّا}[مريم: ١٩].
  واعلم أيدك الله أن أهل الحديث والأشاعرة خالفوا النصوص من الكتاب والسنة وكلام السلف في هذه المسألة فكم في الكتاب من نسبة أفعالنا إلينا: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا} وغير ذلك مما لا يحصى كثرة، ومن السنة كذلك ونصوص الصحابة في فتاويهم وغير ذلك لا ينكر ذلك إلا مكابر، وفي مسألة الإرادة والمشيئة، ولو وقفوا عند النصوص وسكتوا من التمحلات الباطلة لكان أوفق بدعوى السنة، فإن الله تعالى لم يجعل القرآن حجة عليه بل على المشركين، كيف ينعي عليهم عبادة الأوثان التي عملتها أيديهم ليستقيم له النعي في تهجين عبادتهم ويفحمهم فينتصر لهم أهل السنة بأنه الخالق لعباداتهم من تلقاء أنفسهم ولو سلم لهم ما قالوا لكان تفسير المبين للمنزل أولى بالاتباع، وذلك ما أخرجه الحاكم في المستدرك في أول كتاب البر، منه: أخبرنا