الجزء الرابع
  فوارس ليسوا في الحروب بعزل ... غداة الوغى من شاكر وشبام
  ومن أرحب الشم المطاعين بالقنا ... ونهم وأحياء السبيع ويام
  ووادعة الأبطال يخشى مصالها ... بكل صقيل في الأكف حسام
  فلو كنت بوابا على باب جنة ... لقلت لهمدان ادخلوا بسلام
  وروي عن عبد اللّه بن عمرو الغساني عن الشعبي قال: حدّثني جماعة من بني أمية ممن كان يسمر مع معاوية، قال: بينما معاوية ذات ليلة مع عمرو بن سعيد وعتبة والوليد إذ ذكروا الزرقاء بنت عدي بن قيس الهمدانية وكانت شهدت مع قومها صفين فقال أيكم يحفظ كلامها؟ قال بعضهم: نحن نحفظه يا أمير المؤمنين قال: فأشيروا عليّ في أمرها، قال بعضهم: نشير عليك بقتلها، قال: بئس الرأي ما أشرتم به عليّ أيحسن بمثلي أن يتحدث عنه أنه قتل امرأة بعدما ظفر بها، فكتب إلى عامله بالكوفة أن يوفدها إليه مع ثقة من ذوي محارمها وعدة من فرسان قومها وأن يمهد لها وطاء لينا ويسترها بستر خضف ويوسع لها في النفقة، فأرسل إليها فأقرأها الكتاب فقالت: إن كان أمير المؤمنين جعل الخيار إلى فإني لا آتيه، وإن كان حتما فالطاعة أولى فحملها وأحسن جهازها على ما أمر به، فلما دخلت على معاوية قال: مرحبا وأهلا قدمت خير مقدم قدمه وافد، كيف حالك؟
  قالت: بخير يا أمير المؤمنين أدام اللّه لك النعمة، قال: كيف كنت في مسيرك؟ قالت: ربيبة بيت أو طفلا ممهدا قال: بذلك أمرناهم أتدرين فيما بعثت إليك؟ قالت: أنى لي بعلم ما لم أعلم! قال: ألست الراكبة الجمل الأحمر والواقفة بين الصفين تحضّين على القتال وتوقدين الحرب فما حملك على ذلك؟
  قالت: يا أمير المؤمنين مات الرأس وبتر الذنب، ولم يعد ما ذهب، والدهر ذو غير، ومن تفكر أبصر، والأمر يحدث بعده الأمر.
  قال لها معاوية: أتحفظين كلامك يومئذ؟ قالت: لا واللّه لا أحفظه ولقد أنسيته، قال: لكني أحفظه، للّه أبوك حين تقولين: أيها الناس ارعووا وارجعوا إنكم قد أصبحتم في فتنة غشتكم جلابيب الظلم، وجارت بكم عن قصد المحجة، فيا لها فتنة عمياء صماء بكماء لا تسمع لناعقها ولا تنساق