الجزء الرابع
  لقائدها، إن المصباح لا يضيء في الشمس ولا تنير الكواكب مع القمر، ولا يقطع الحديد إلا الحديد، ألا من استرشدنا أرشدناه، ومن سألنا أخبرناه، أيها الناس إن الحق طلب ضالته فأصابها، فصبرا يا معشر المهاجرين على الغصص فكان قد اندمل شعب الشتات، والتأمت كلمة الحق، ودفع الحق بالظلمة، فلا يجهلن أحد فيقول كيف؟ وأنى؟
  ليقضي اللّه أمرا كان مفعولا، ألا وإن خضاب النساء الحنّاء وخضاب الرجال الدماء، ولهذا اليوم ما بعده، والصبر خير الأمور عواقبا، إيّها في الحرب قدما غير ناكصين ولا شاكين. ثم قال لها: واللّه يا زرقاء لقد شركت عليا في كل دم سفكه، قالت: أحسن اللّه بشارتك، وأدام سلامتك، فمثلك من بشر بخير وسر جليسه، قال أويسرك ذلك؟ قالت: نعم، واللّه لقد سررت بالخبر فأنى لي بتصديق الفعل، فضحك معاوية وقال: واللّه لوفاؤكم له بعد موته أعجب من حبكم له في حياته، اذكري حاجتك، قالت: يا أمير المؤمنين آليت على نفسي أن لا أسأل أميرا أعنت عليه أبدا ومثلك أعطى من غير مسألة، وجاد من غير طلبة، قال: صدقت، وأمر لها وللذين جاءوا معها بجوائز وكساء. انتهى.
  وفي العقد الفريد لابن عبد ربه عن عامر الشعبي قال: وفدت سودة ابنة عمارة بن الأشتر الهمدانية على معاوية بن أبي سفيان فاستأذنت عليه فأذن لها فلما دخلت عليه سلمت فقال لها: كيف أنت يا ابنة الأشتر؟ قالت:
  بخير يا أمير المؤمنين قال لها: أنت القائلة لأخيك:
  شمر كفعل أبيك يا ابن عمارة ... يوم الطعان وملتقى الأقران
  وانصر عليا والحسين ورهطه ... واقصد لهند وابنها بهوان
  إن الإمام أخا النبي محمد ... علم الهدى ومنارة الأيمان
  فقد الجيوش وسر أمام لوائه ... قدما بأبيض صارم وسنان
  قالت: يا أمير المؤمنين مات الرأس وبتر الذنب فدع عنك تذكار ما قد نسي، قال: هيهات، ليس مثل مقام أخيك ينسى. قالت: صدقت واللّه يا أمير المؤمنين، ما كان أخي خفي المقام، ذليل المكان ولكن كما قالت الخنساء: