[كلام للسيد العلامة الحسن بن محمد الفيشي عند اطلاعه على هذا الكتاب]
  ويتحرَّك بحركات الصحيح من العِلَلِ نحو الْمُتْحَفِ بالسّرْعَةِ الفَائِقَةِ، ولكنها شِنْشِنَةٌ أَعْرِفُها من أَخْزَم، يُفَضِّلُ شفاء الروح على انْدِمَالِ الجُرُوْحِ.
  صَحِبْتُهُ فكان لا يَفْتَحُ عَيْنَيْهِ صَباحاً إلا إلى كِتَابٍ، ولا يُغْمِضُهُمَا بَعْدَ هَوِيٍّ من الليلِ إلا عن كِتَابٍ، وكأنَّ العِلْمَ من مُقوِّمَات حَياتِه، ومن مُغذِّيات مشاعره وطاقاته، ومن ضروريّاته لا من مُحَسِّناتِهِ، يُحَمِّل نفسَه في سبيله أقصى جهودها، ويمنعها إِجَامَها ورَوْحَها وهُجُودَها.
  مَعَاهِدُ نَشْرِهِ للعِلْمِ هنا وهناك مَفْتُوْحَةٌ، في الحِلِّ والتِّرْحَالِ، في البكور والآصال، في الليل إذا عَسْعَسَ والنَّهارِ إذا تَنَفّسَ، تلاميذُهُ يَعْسُرُ عَدُّهم، ويُجهِدُ حَصْرُهم، وهم بِبَرَكَتِهِ يَكْتَسِبُونَ النَّشاطَ من نشاطه، وتَرْتَاضُ أَنْفُسُهُمْ للمُوَاصَلَةِ تَأسِّياً به، وانْقِياداً لإرْشَادِهِ، وشاهدُ الحال يُغْنِي عن المقال، فها هو الآن قد احْقَوْقَفَ ظَهْرُهُ، ووَهَى صَوْتُه، وكادَ أنْ يكون رَهِيْنَ فِرَاشِهِ، وقَعِيْدَ بِسَاطِهِ، تَتَوَافَدُ عليه الطَّلَبَةُ للأَخْذِ عنه صَباحَ مَسَاءَ، يُمْلي أَحَدُهم فإذا ما غَلِطَ أو وَهَمَ أو اسْتَفْهَم صحَّح مولانا الغلط، أو أَزَالَ الوَهَمَ، أو أفادَ الْمُسْتَفْهِمَ، بالقَرْعِ أو الإشارة أو الْمَنْطِقِ الهمْسِيّ.
  وقد مَرّن نَفْسَهُ على عَدَمِ الانْقِبَاضِ عن أيّ طالب في كلّ مكان وفي كلّ زمان، ومع كثرة تنقّلاته ومِصْدَاقيّة قول القائل حيثُ يقول:
  يَوْمَاً بِحَزْوَى وَيَوْمَاً بِالعَقِيْقِ وبِالْـ ... ـعَذِيْبِ يَوْمَاً وَيَوْمَاً بِالْخُلَيْصَاء
  تتجَدَّدُ له طَلبةٌ بنزوله يَنْزِلُونَ، وعلى نُوْرِهِ يَتَقَاطَرُوْنَ، حتى تغصّ بهم الساحة، ولا يكلّ ولا يملّ.