[الجبر الصريح وغير الصريح والجواب عليهما]
  دَعَانِ}[البقرة: ١٨٦]، {قَالاَ رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى}[طه: ٤٥]، {قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي}[طه: ١٨]، {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}[البقرة: ٢٥٦]، في كل هذه الآيات ينسب أفعال الخلق إليهم، ولا تكاد سورة من القرآن إلا وينسب الأفعال إليهم مرة، أو مرتين، أو أكثر.
  فانظر إلى كل سور القرآن سورةً سورةً تجد ما ذكرنا، ولا تغتر بما يلبسه الملبسون، ويشككه المشككون في المشاهدات الضروريات.
  فآيات القرآن تنافي الجبر الصريح، وغير الصريح، وتنقض مذاهب المجبرة كلها، والقرآن كله ينفي الجبر ويَرُدُّه، ولا تجد سورة إلا وهو ينسب فيها أفعال العبيد إليهم.
[الجبر الصريح وغير الصريح والجواب عليهما]
  أما الجبر الصريح فهو مذهب الجهمية الذين يقولون: إنما الإنسان كالشجرة إن حركها الله تحركت وإلا فلا.
  وأما الجبر غير الصريح فقد أنف أصحابه من التصريح بالجبر؛ لكون سخافته معلومة بالضرورة، وتستروا بثوبَي سراب:
  الأول منهما: أنهم أثبتوا للعبد قدرة خلقها الله، لكنهم قالوا: قدرة موجبة للفعل، مقارنة له ليس للعبد معها اختيار، وهذا عين الجبر؛ لأنَّ عدم الاختيار هو الجبر بعينه، وكذا كونها موجبة للفعل لا يتخلف عنها.
  الثاني: قولهم الفعل لله، وللعبد فيه كسب.
  ولكنهم لم يقدروا على شرح الكسب وتوضيحه، وتبيين ما هو.
  والذي يظهر أنهم لم يعرفوه، وكذا الذي وضعه وهو أبو الحسن الأشعري ما أظنه يعرفه، وإنما فروا من مذهب جَهْم إلى غير مفر وفيه وقعوا، مع اعترافهم بقبح مذهب جَهْم وسخافته.