القول السديد شرح منظومة هداية الرشيد،

الحسين بن يحيى بن محمد (المتوفى: 1435 هـ)

[الجواب على من أثبت الموزانة]

صفحة 151 - الجزء 1

[كلام المرجئة في الوزن والجواب عليهم]

  هذا، وقد ذهبت المرجئة إلى القول بحقيقة الوزن، وأنه ميزان حقيقي، وله كفتان، وعمود، ولسان، ولهم في ذلك روايات، وأن العمود مثل ما بين المشرق والمغرب، وجعلوا له كفتين كبيرتين كأطباق الدنيا، قد يمكن الوزن فيها للجبال، والأشياء العظيمة التي لا يتصور وزنها.

  هذا، ولا يخفى أن الأعمال كلها أعراض، وأن الوزن الحقيقي ممتنع فيها، وأنه محال.

  ولأن بعض الطاعات عَدَمِيَّة، كالصوم فإنه عدم الأكل والشرب، ولا يمكن وزن العدم، وكذا الإحرام، فإنه الامتناع من تغطية الرأس للرجل، والوجه للمرأة، ومن الطيب، ومداناة النساء، ونحو ذلك، وهي تروك عدمية لا يمكن وزنها، وكذا بعض المعاصي عَدَمِيَّة أيضاً، كترك الواجبات، فلا يمكن وزنها أيضاً، وهذا واضح.

  وأما كبر الكفتين، واتساعهما اتساعاً شاسعاً، فلم يظهر له أي فائدة، ولو فرض الوزن الحقيقي؛ لأنهم إن أرادوا أن تجتمع في الكفتين جميع أعمال الأمة الطاعات، و المعاصي، في مرة واحدة، ووزن واحد، فلا يمكن أن يعرف من خفت موازينه، ومن ثقلت.

  وإن وزنت أعمال كل عبد وحدها، فلا تحتاج إلى هذا الميزان، والعمود الذي وصفوه، والكفتين، وهذا مع فرض تسليم الوزن الحقيقي، وقد أبطلناه بما لا مزيد عليه، ولا يجهله إلا أغبى الأغبياء، وبهذا يظهر لك عدم صحة الحديث؛ لأنَّه يكون عبثاً، ولعدم صحة سنده، ولأنهم إنما أثبتوا ميزاناً واحداً، والله يقول: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}⁣[الأنبياء: ٤٧] فأتى بصيغة منتهى الجموع.

[الجواب على من أثبت الموزانة]

  وأما الذين قالوا بمجازيته فبعضهم ذهب إلى أنه باعتبار كثرة الطاعات، وقلة المعاصي، والعكس.