[الفرق بين الفاعل المختار والعلة]
  الصناعات البالغة من الملائكة، والجن، والإنس على أن يخلقوا مثل أضعف خلقه مع اجتماعهم لم يقدروا، ولن يقدروا، فكيف بجماد ليس له حياة، ولا قدرة، ولا علم يخلق أو يؤثر في إيجاد هذا العالم المختلف المتقن غاية الإتقان، فلقد بلغ المدعي لهذا في غاية الغباوة، والحمق، وأعظم منه في الغباوة، والحمق الذي يصدق دعواه بدون حجة، ولا برهان، وما أظن الذين أسسوا هذا بأغبياء، ولكنهم المترفون يخافون على مناصبهم أن يأخذها عليهم الأنبياء À وسلامه وهكذا الدهر إلى يوم القيامة، وأعانهم على ذلك عُبَّاد الدرهم، والدينار، والجم الغفير هَمَجٌ رُعَاع أتباع كل ناعق {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا}[النمل: ١٤]، وسيندمون يوم لا ينفع الندم {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ ١٦٦ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوْا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ١٦٧}[البقرة].
[الفرق بين الفاعل المختار والعلة]
  هذا والفرق بين العلة، والفاعل المختار من وجوه:
  الأول: أن الفاعل لا بد أن يكون حياً قادراً عالماً يفعل ما يريد، ويترك ما لا يريد، والعلة المؤثرة على قول من يقول بها ليست حية، ولا قادرة، ولا عالمة، ولا مختارة، بل تأثيرها عشوائيٌ، تأثير وجوب، لا يمكن تخلفه عنها، وإنما تأثيرها ملازم لها لا يمكن أن يتخلف عنها، وإلا لم تكن علة فيه.
  وذلك كقول المعتزلة إن الجسم مؤثر في التحيز، وإن القدرة علة مؤثرة في القادرية، والعلم في العالمية، والحياة في الحيية، وقد شرحنا كلامهم، وأبطلناه.
  وكذا النار فإنها ملازمة للحرارة وإحراق ما وقع فيها، وليس لها اختيار، ولهذا تحرق من وقع فيها سواء كان يستحق الإحراق أم لا.
  وكذا السم يضر من دخل فيه.