القول السديد شرح منظومة هداية الرشيد،

الحسين بن يحيى بن محمد (المتوفى: 1435 هـ)

[شبهة وجوابها في تكليف ما لا يطاق]

صفحة 103 - الجزء 1

  أجبتم به في فعل الله فهو جوابنا.

  وجواب آخر كنت قد أجبت به في موضع آخر، فرأينا وضعه هنا للفائدة.

  فإن قيل: فإن الله عالم في الأزل أن العاصي يعصي، والمطيع يطيع ولو كانوا قادرَين على الترك لزم مناقضة علم الله ومخالفته.

  فالجواب: أنه لا يلزم ذلك؛ لأنَّا لا نقول: إنه يتخلف علم الله، وإنما نقول: إن العاصي يقدر على الطاعة، وأنه يفعل المعصية باختياره وإرادته، وأن الله عالم بأنه يفعلها باختياره، وكذا المطيع مثله، وإلا لزم عدم استحقاق الجزاء في المطيع والعاصي والله يقول: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}⁣[الواقعة: ٢٤]، {هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ}⁣[الرحمن: ٦٠]، {وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً}⁣[الإنسان: ١٢]، ونحو ذلك.

  ولزم أيضاً في أفعال الله نفسه؛ فإن الله يعلم بخلقه للسموات، والأرض، والجن، والإنس، والملائكة، والجنة، والنار، فهو عالم بأفعاله كلها في الأزل قبل فعلها، ولا يتخلف ما علمه الله فيلزم على هذا أنه مجبر على فعلها غير قادر على الترك، فلا يكون فاعلاً مختاراً بل علة قديمة.

[شبهة وجوابها في تكليف ما لا يطاق]

  ومن العجب العجاب أنهم يحاولون تدنيس الله، ونسبة القبائح إليه بكل وسيلة، ويحاولون التلبيس على الناس بكل شبهة؛ لتثبيت قاعدتهم المنهارة.

  فمن جملة ما لبَّسوا به أنَّ الله قد كلف أبا جهل بالإيمان بما جاء به النبي ÷، ومن جملة ما جاء به الإخبار بأنه لا يؤمن، والجمع بينهما محال لا يطاق.

  والجواب والله الموفق للصواب: أنه كلفه بالإيمان، وهو قادر عليه ضرورة، ولم يكلفه بأن يعلم أنه لا يؤمن، وإنما أخبر أنه يختار الكفر، ولم يكلفه بأن يعلم؛ لأنَّ العلم حاصل لديه، فكيف يكلفه بتحصيل الحاصل، وتحصيل الحاصل محال.

  وليس المراد أن يكلِّف أبا جهل بالعلم، ولم يُرسَل النبي بهذا.

  وإنما أرسل بأن يدعو الناس إلى طاعة الله، والإيمان به، والكفر بالأوثان،